فصل في ذكر الضحى والليل
قال ابن الخطيب : وذكر الضحى، وهو ساعة، وذكر الليل بجملته، إشارة إلى أن ساعة من النهار توازي جميع الليل، كما أنَّ محمداً ﷺ يوازن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وأيضاً : فالضحى وقت السرورٍ، والليل وقتُ الوحشةِ، ففيه إشارة إلى أن سرور الدنيا، أقل من شرورها، وأن هموم الدنيا أدوم من سرورها، فإن الضحى ساعة، والليل ساعات، يروى أن الله - سبحانه وتعالى - لما خلق العرش أظلت غمامة سوداء، ونادت : ماذا أمطر؟ فأجيبت أن أمطري الهموم والأحزان مائة عامٍ، ثم انكشفت، فأمرت مرة أخرى بذلك، وهكذا إلى ثلاثمائة سنة، ثم بعد ذلك أظَّلت عن يمين العرش غمامة بيضاء، ونادت ماذا أمطر؟ فأجيبت أن أمطري السرور ساعة فلهذا ترى الهموم، والأحزان دائمة، والسرور قليلاً ونادراً، وقدم ذكر الضحى لأنه يشبه الحياة، وأخر الليل؛ لأنه يشبه الموت.
قوله :﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ﴾، هذا جواب القسم، والعامة : على تشديد الدال من التوديع.
وقرأ عروة بن الزبير وابنه هاشم، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة بتخفيفها، من قولهم :« ودَعَهُ »، أي : تركه والمشهور في اللغة الاستغناء عن « ودع، ووذرَ » واسم فاعلهما، واسم مفعولهما ومصدرهما ب « ترك » وما تصرف منه، وقد جاء « ودع ووذَرَ »؛ قال الشاعر :[ الرمل ]
٥٢٣٤- سَلْ أمِيرِي :
ما الَّذي غَيَّرهُ | عَنْ وصالِي اليَوْمَ حَتَّى وَدَعَهْ |
٥٢٣٥- وثَمَّ ودعْنَا آل عمرٍو وعامِرٍ | فَرائِسَ أطْرافِ المُثقَّفَةِ السُّمْرِ |
قال القرطبيُّ : واستعماله قليل يقال : هو يدع كذا، أي : يتركه.
قال المبرد : لا يكادون يقولون : ودع، ولا ذر، لضعف الواو إذا قدمت، واستغنوا عنهما ب « ترك ».
قوله :﴿ وَمَا قلى ﴾، أي : ما أبغضك، يقال : قلاه يقليه - بكسر العين في المضارع - وتقول : قلاه يقلاه، بالفتح؛ قال :[ الهزج ]
٥٢٣٦- أيَا مَنْ لَستُ أنسَاهُ | وَلاَ واللَّهِ أقْلاهُ |
لَكَ اللَّهُ عَلَى ذَاكَا | لَكَ اللَّهُ لَكَ اللَّهُ |
فصل في « القِلَى »
القلى : البغض، أي : ما أبغضك ربك منذ أحبك، فإن فتحت القاف مددت، تقول : قلاه يقليه قى وقلاء، كما تقول : قريت الضيف أقرية قرى وقراء، ويقلاه : لغة طيىء. وأنشد :
٥٢٣٧- أيَّامَ أمِّ الغَمْرِ لا نَقْلاَهَا... أي : لا نبغضها، ونقلي : أي : نبغض؛ وقال :[ الطويل ]
٥٢٣٨- أسِيئِي بِنَا أو أحْسِنِي لا ملُومَةٌ | لَديْنَا ولا مَقلِيَّةٌ إنْ تقلَّتِ |
٥٢٣٩-................................... ولَسْتُ بِمقْلِيِّ الخِلالِ ولا قَالِ