« إنَّا أهْل بيتٍ اخْتَارَ اللهُ لنَا الآخِرَةِ على الدُّنْيَا ».
وقوله تعالى :﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى ﴾ روى عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : هو الشفاعة في أمته حتى يرضى، وهو قول علي والحسن.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص :« أن النبي ﷺ تلا قول الله تعالى في إبراهيم ﷺ :﴿ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ]، وهو قول عيسى - ﷺ - :﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ [ المائدة : ١١٨ ]، الآية، فرفع يديه وقال :» اللَّهُمَّ أمَّتِي أمَّتِي « وبكى، فقال الله تعالى لجبريل » اذهب إلى محمد، وربُّك أعلم، فسلهُ ما يُبْكِيكَ « فأتى جبريل للنبي ﷺ فسأله فأخبره، فقال الله تعالى لجبريل :» اذهب إلى محمد، فقل له : إن الله يقول لك : إنَّا سَنُرضِيْكَ فِي أمَّتكَ، ولا نَسُوءَكَ « وقال حرب بن شريح : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : إنكم يا معشر أهل العراق تقولون : إنَّ أرْجَى آية في كتاب الله تعالى :﴿ قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] قالوا : إنا نقول ذلك، قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله :﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى ﴾.
وقيل : يعطيك ربك من الثواب، وقيل : من النصر، فترضى، وقيل : الحوض والشفاعة.
فصل في الكلام على انقطاع الوحي
وجه النظم، كأنه قيل : انقطاع الوحي لا يكون عزلاً عن النبوّة، بل غايته أنه أمارة الموت للاستغناء عن الرسالة، فإن فهمت منه قرب الموت، فالموت خير لك من الأولى، وفهم النبي ﷺ من الخطاب بقوله : ما ودعك ربك وما قلى تشريفاً عظيماً، فقيل له :﴿ وللآخِرةُ خيرٌ لك من الأوْلَى ﴾، أي : أنَّ الأحوال الآتية خير لك من الماضية، فهو وعد بأنه سيزيده عزَّا إلى عزِّه، وبيان أن الآخرة خيرٌ، كأنه ﷺ يفعل فيها ما يريد، ولأنه آثرها فهي ملكه، وملكه خير مما لا يكون ملكه، أو لأن الكفار يؤذونك وأمتك في الدنيا، وأما في الآخرة فهم شهداء على الناس، أو لأن خيرات الدنيا قليلة مقطوعة، ولم يقل : خير لك، لأن فيهم من الآخرة شر له، فلو ميزهم لافتضحوا.