قال شهاب الدين :« في هذا نظرٌ، لأنهما غاية ما في الباب انهما نقلا هذه القراءة، وظهر لهما تفسيرها بما ذكر، ولا يلزم من ذلك أنه لا يجوز غير ما ذكر من تفسير اللفظة ».
وقال ثعلب : السَّبْخُ - بالخاء المعجمة - التردد والاضطراب، والسبح : السكون «.
ومنه قول النبي ﷺ :»
الحُمَّى من فَيْحِ جَهنَّمَ فَسبِّحُوهَا بالمَاء «، أي فسكِّنُوهَا بالمَاءِ.
وقال أبو عمرو : السَّبْخُ : النوم والفراغ، فعلى هذا يكون من الأضداد، ويكون بمعنى السبح بالحاء المهملة.
قوله :﴿ واذكر اسم رَبِّكَ ﴾، أي : ادعه بأسمائه الحسنى ليحصل لك مع الصلاة محمود العاقبة.
وقيل : اقصد بعملك وجه ربِّك.
وقال سهل : اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتِك توصلك بركة قراءتها إلى ربك وتقطعك عما سواه.
وقيل : اذكر اسم ربِّك في وعده، ووعيده؛ لتتوفّر على طاعته وتعدل عن معصيته.
وقال الكلبي : صلِّ لربِّك، أي : بالنهار.
قال القرطبيُّ : وهذا حسن، لأنه لما ذكر الليل ذكر النهار، إذ هو قسيمه، وقد قال تعالى :﴿ وَهُوَ الذي جَعَلَ الليل والنهار خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ﴾ [ الفرقان : ٦٢ ].
قوله :﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾، هذا مصدر على غير المصدر، وهو واقع موقع التبتل، لأن مصدر »
تفعَّل « » تفعُّل « نحو » تصرَّف تصرُّفاً، وتكرَّم تكرُّماً «، وأما » التفعيل « فمصدر » فعَّل « نحو » صرَّف تصريفاً؛ كقول الآخر :[ الرجز ]

٤٩٢٥ - وقَدْ تَطَوَّيْتَ انْطواءَ الحِضْبِ فأوقع « الانفعال » موقع « التفعل ».
قال الزمخشريُّ : لأنَّ معنى « تبتَّل » بتل نفسه، فجيء به على معناه مراعاةً لحق الفواصل.
والبَتْلُ : الانقطاع، ومنه امرأة بتول، أي : انقطعت من النكاح، وبتلت الحبل : قطعته.
قال الليثُ : التبتل : تمييز الشيء من الشيء، وقالوا : طَلْقةٌ بَتْلةٌ، يعنون انقطاعها عن صاحبها، فالتبتُّل : ترك النكاح والزهد فيه، ومنه سمي الراهب متبتلاً لانقطاعه عن النكاح؛ قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
٤٩٢٦ - تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعشَاءِ كأنَّها مَنارةُ مُمْسَى رَاهبٍ مُتبتِّلِ
ومنه الحديث : أنه نهى عن التبتل، وقال :« يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ، من اسْتَطَاعَ مِنْكمُ البَاءَةَ فَليتَزوَّجْ » والمراد به في الآية الكريمة : الانقطاع إلى عبادة الله تعالى دون ترك النكاح.
والتبتل في الأصل : الانقطاع عن الناس، والجماعات، وقيل : إن أصله عند العرب التفرد. قاله ابن عرفة.
قال ابن العربي :« هذا فيما مضي، وأما اليوم، وقد مرجت عهود الناس، وخفت أماناتهم، واستولى الحرام على الحطام، فالعزلة خير من الخلطة، والعُزبة أفضل من التأهل، ولكن معنى الآية : وانقطع عن الأوثان، والأصنام، وعن عبادة غير الله.
وكذلك قال مجاهد : معناه : أخلص له العبادة، ولم يرد التبتل، فصار التبتُّلُ مأموراً به في القرآن، مَنْهِيّاً عنه في السنَّةِ، ومتعلق الأمر غير متعلق النهي فلا يتناقضان، وإنما بعث ليبينَ للناس ما نزل إليهم، والتبتل المأمور به : الانقطاع إلى الله بإخلاص كما قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon