﴿ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ ﴾ [ القصص : ٧٧ ].
قال رسول الله ﷺ :« الله الله فيمَنْ لَيْسَ له إلا الله ».
فصل
دلت الآية على اللطف باليتيم وبره والإحسان إليه، قال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم، قال رسول الله ﷺ :« أنا وكافل اليتيم كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى ».
وقال رسول الله ﷺ :« مَنْ ضَمَّ يَتِيمَاً فَكَانَ فِي نَفَقَتِهِ وكفاهُ مؤنَتَهُ، كَانَ لَهُ حِجَابَاً مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ ».
وقال النبي ﷺ :« مَنْ مَسَحَ برأسِ يَتِيمٍ كَانَ لَهُ بكُلِّ شَعْرةً حَسَنةٌ ».
فصل
الحكمة في أن الله تعالى اختار لنبيه اليتم، أنه عرف حرارة اليتم، فيرفق باليتيم، وأيضاً ليشاركه في الاسم، فيكرمه لأجل ذلك، لقوله - ﷺ - :« إذَا سَمَّيْتُم الوَلَدَ مُحَمَّداً فأكْرِمُوهُ ووسِّعُوا لَهُ فِي المَجْلسِ » وأيضاً ليعتمد من أول عمره على الله تعالى، فيشبه إبراهيم - ﷺ - في قوله :« حَسْبي مِنْ سُؤالِي، علمهُ بِحَالِي ».
وأيضاً فالغالب أن اليتيم تظهر عيوبه فلما لم يجدوا فيه عيباً، لم يجدوا فيه مطعناً.
وأيضاً جعله يتيماً، ليعلم كل أحد فضيلته ابتداء من الله تعالى، لا من التعليم، لأن من له أب فإن أباه يعلمه، ويؤدبه.
وأيضاً فاليتم والفقر نقص في العادة، فكونه ﷺ مع هذين الوصفين من أكرم الخلق كان ذلك قلباً للعادة، فكان معجزة ظاهرة.
قوله تعالى :﴿ وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ ﴾، أي : فلا تزجره، يقال : نهره، وانتهره إذا زجره، وأغلظ له في القول، ولكن يرده ردَّا جميلاً.
[ قال إبراهيم بن أدهم : نعم القوم السؤال، يحملون زادنا إلى الآخرة. وقال إبراهيم النخعي : السائل يريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول : هل تبعثون إلى أهليكم بشيء.
وقيل : المراد بالسائل الذي يسأل عن الدين ].
قال رسول الله ﷺ :« سَألتُ ربِّي مَسْألةً ودِدْتُ أنِّي لَمْ أسْألْهَا، قُلْتُ : يَا ربِّ، اتَّخذتَ إبْراهِيمَ خَلِيلاً، وكلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيماً، وسخَّرتَ مَع دَاوُدَ الجِبالَ يُسَبِّحْنَ، وأعطيتَ فُلاناً كَذَا فقال تعالى : ألَمْ أجِدْكَ يَتِيماً فَأويتك؟ أَلَمْ أَجِدْكَ ضالاً فَهَدَيْتُكَ؟ أَلَمْ أَجِدكَ عائِلاً فَأَغْنَيْتُكِ؟ أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؟ أَلَمْ أُوتِكَ مَا لَمْ أُوتِ أَحَدَاً قبلَكَ خَوَاتِيِمَ سورةِ البقرة؟ أَلَمْ أَتَّخِذُكَ خَلِيْلاً كَمَا اتَّخَذْتُ إبراهيمَ خليلاً؟ قلت : بلى يا ربِّ ».
قوله :﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾. الجار متعلق ب « حدِّثْ » والفاء غير مانعة من ذلك قال مجاهدٌ : تلك النعمة هي القرآن والحديث.
وعنه أيضاً : تلك النعمة هي النبوة، أي : بلغ ما أنزل إليك من ربك قيل : تلك النعمة هي أن وفقك الله تعالى، ورعيت حق اليتيم والسائل، فحدث بها؛ ليقتدي بك غيرك.
وعن الحسين علي - رضي الله عنهما - قال : إذا عملت خيراً فحدث به الثقة من إخوانك ليقتدوا بك.