قوله :﴿ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾، أي : حمله على النقض، وهو صوت الانتقاض والانفكاك لثقله، مثل لما كان يثقله ﷺ.
قال أهل اللغة : أنقض الحمل ظهر الناقة : إذا سمعت له صريراً من شدة الحمل، وسمعت نقيض الرجل أي صريره؛ قال العبَّاس بن مرداسٍ :[ الطويل ]

٥٢٥٠- وأنْقضَ ظَهْرِي ما تطَوَّيْتُ مِنهُم وكُنْتُ عَليْهِمْ مُشْفِقاً مُتَحَنِّنَا
وقال جميلٌ :[ الطويل ]
٥٢٥١- وحتَّى تَداعَتْ بالنَّقيضِ حِبالهُ وهَمَّتْ بَوانِي زَوْرهِ أنْ تُحطَّمَا
والمعنى : أثقل ظهرك حين سمع نقيضه، أي : صوته.
والوِزْرُ : الحمل الثقيل.
قال المحاسبيُّ : يعني : ثقل الوزر لو لم يعفُ الله عنه.
قال : وإنما وُصفتْ ذنوبُ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بهذا الثقل مع كونها مغفورة لشدة اهتمامهم بها، وندمهم منها، وتحسرهم عليها [ وقال الحسين بن الفضل : يعني الخطأ والسهو.
وقيل : ذنوب أمتك اضافها إليه لاشتغال قلبه بها ].
وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة : خففنا عنك أعباء النبوة، والقيام بها، حتى لا تثقل عليك.
وقيل : كان في الابتداء يثقل عليه الوحي، حتى كاد يرمي نفسه من شاهق الجبل، إلى أن جاء جبريل - عليه السلام - وأزال ﷺ عنه ما كان يخاف من تغير العقل.
وقيل : عصمناك عن احتمال الوِزْر، وحفظناك قيل النبوة في الأربعين من الأدناس، حتى نزل عليه الوحي، وأنت مطهَّر من الأدناس.
قوله :﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾، قال مجاهد : يعني بالتأذين.
وروى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهم - يقول تعالى له : لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان، والإقامة، والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق ويوم عرفة، وعند الجمار وعلى الصفا والمروة وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها. ولو أن رجلاً عبد الله تعالى، وصدق بالجنة والنار وكل شيءٍ ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم ينتفع شيء وكان كافراً.
وقيل : أعلينا ذكرك، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، وأمرناهم بالبشارة بك، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه.
وقيل : رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وفي الأرض عند المؤمنين، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود، وكرائم الدرجات. وقيل : عام في كل ذكر.
قوله :﴿ فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾ العامة، على سكون السين في الكلم الأربع.
وابن وثَّاب وأبو جعفر وعيسى : بضمها، وفيه خلاف، هل هو أصل، أو منقول من المسكن؟ والألف واللام في العسر الأول لتعريف الجنس، وفي الثاني للعهد، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - لن يغلب عسرٌ يسرين وروي أيضاً مرفوعاً أنه ﷺ خرج يضحك يقول :


الصفحة التالية
Icon