والمرادُ بالإنسانِ : الجنس، ولذلك قال تعالى :﴿ مِنْ عَلَقٍ ﴾ جمع علقةٍ، لأن كل واحدٍ مخلوق من علقة، كما في الآية الأخرى، والعلقة : الدَّمُ الجامدُ، وإذا جرى فهو المسفوح، وذكر « العَلَق » بلفظ الجمعِ، لأنه أراد بالإنسانِ الجمع، وكلهم خلقُوا مِنْ علقٍ بعد النُّطفَةِ. والعلقة : قطعة من دم رطبٍ، سميت بذلك؛ لأنها تعلق بما تمر عليه لرطوبتها، فإذا جفت لم تكن علقة.

فصل


قال ابن الخطيب : فإن قيل : فما وجه التسمية في المباح كالأكل؟.
فالجوابُ : أنه يضيف ذاك إلى الله تعالى ليدفع ببركة اسمه الأذى، والضرر، أو ليدفع شركة الشيطان، ولأنه ربما استعان بذلك المباح على الطاعة، فيصير طاعة، وقال هنا : باسم ربِّك، وفي التسمية المعروفة : بسم الله الرحمن الرحيم، لأن الربَّ من صفات الفعل، وهي تستوجب العبادة بخلاف صفة الذات فأفاد الربُّ هنا معنيين :
أحدهما : أني ربيتك فلزمك الفعل، فلا تتكاسل.
والثاني : أن الشروع ملزم للإتمام، وقد ربيتك منذ كنت علقة إلى الآن، فلم أضيعك، وقال هنا :« ربك »، وقال في موضع آخر :﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ﴾ [ الإسراء : ١ ] كأنه يقول سبحانه : هو لي وأنا له، كقوله ﷺ :« عليٌّ منِّي وأنَّا مِنْهُ »، لأن النعم واصلة منّي إليك، ولم يصل إليَّ منك خدمة فأقول : أنا لك، ثم لما أتى بالعبادات وفعل الطاعات، قال :﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ﴾ [ الإسراء : ١ ].
فقوله :﴿ الذي خَلَقَ ﴾ كالدليل على الربوبية، كأنه تعالى يقول : الدليل على أني ربُّك، أنك ما كنت معه بذاتك وصفاتك، فخلقتك وربيتك، ويحتمل أن يكون المعنى أنه حصل منه الخلق.
قوله :﴿ اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم ﴾، فقوله تعالى :﴿ اقرأ ﴾ تأكيد، وتم الكلام، ثم استأنف فقال :﴿ وَرَبُّكَ الأكرم ﴾، أي : الكريم.
وقال الكلبيُّ : يعني الحليم عن جهل العباد، فلم يعجل بعقوبتهم، [ وقيل : اقرأ أولاً لنفسك، والثاني للتبليغ، والأول للتعميم من جبريل عليه السلام، والثاني للتعليم واقرأ في صلاتك.
وقيل : اقرأ وربك، أي : اقرأ يا محمد وربك يغنيك ويفهمك، وإن كنت غير قارئ ]. [ والأول أشبه بالمعنى، لأنه لما ذكر ما تقدم من نعمة، دلَّ على كرمه ].
قوله :﴿ الذى عَلَّمَ بالقلم ﴾، يعني : الخط والكتابة، أي : علم الإنسانَ الخط بالقلم.
قال قتادة : العلم نعمة من الله عظيمة، ولولا ذلك لم يقُم دين، ولم يصلح عيش، فدل على كمال كرمه تعالى، بأنه علم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبَّه على فضل الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة.


الصفحة التالية
Icon