[ وقيل : أن رآه استغنى بالعشيرة والأنصار والأعوان، وحذف اللام من قوله :« أن رآه » كما يقال : إنكم لتطغون أن رأيتم غناكم ].
قوله :﴿ إِنَّ إلى رَبِّكَ الرجعى ﴾. هذا الكلام واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديداً له وتحذيراً من عاقبة الطغيان، والمعنى : أن مرجع من هذا وصفه إلى الله تعالى، فيجازيه.
والرجعى والمرجع والرجوع : مصادر، يقال : رجع إليه رجوعاً ومرجعاً ورُجْعَى، على وزن « فُعْلى ».
قوله :﴿ أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى ﴾ تقدم الكلام على ﴿ أَرَأَيْتَ الذي ينهى ﴾.
وقال الزمخشري هنا : فإن قلت : ما متعلق « أرأيت »؟.
قلت :« الَّذي يَنْهَى » مع الجملة الشرطية، وهما في موضع المفعولين، فإن قلت : فأين جواب الشرط؟.
قلتُ : هو محذوف تقديره :« إنْ كَانَ عَلَى الهُدى، أو أمَرَ بالتَّقْوَى، ألَمْ يَعْلمْ بأنَّ اللهَ يَرَى »، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني.
فإن قلت : كيف يصح أن يكون « أَلَمْ يَعْلَمْ » جواباً للشرط؟.
قلت : كما صح في قولك : إن أكرمتك أتكرمني، وإن أحسن إليك زيد هل تحسنُ إليه؟.
فإن قلت : فما أرأيت الثانية، وتوسطها بين مفعول « أرأيت »؟ قلت : هي زائدة مكررة للتأكيد.
قال شهاب الدين : اعلم أن « أرَأيْتَ » لا يكون مفعولها الثاني إلا جملة استفهامية كقوله تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله ﴾ [ الأنعام : ٤٧ ]، ومثله كثير، وهنا « أرَأيْتَ » ثلاث مرات، وقد صرح بعد الثالثة منها بجملة استفهامية، فيكون في موضع المفعول الثاني لها، ومفعولها الأول محذوف، وهو ضمير يعود على ﴿ الَّذي يَنْهَى عَبْداً ﴾ الواقع مفعولاً ل « أرَأيْتَ » الأولى، ومفعول « أرأيت » الأولى الذي هو الثاني محذوف، وهو جملة استفهامية كالجملة الواقعة بعد « أرأيت » الثالثة، وأما « أرأيت » الثانية، فلم يذكر لها مفعول، لا أول، ولا ثان، حذف الأول لدلالة المفعول من « أرأيت » الثالث عليه، فقد حذف الثاني من الأولى، والأول من الثالثة، والاثنان من الثانية، وليس طلب كل من « أرأيت » للجملة الاسمية على سبيل التنازع؛ لأنه يستدعي إضماراً. والجملة لا تضمر إنما تضمر المفردات، وإنما ذلك من باب الحذف للدلالة وأما الكلام على الشرط مع « أرأيت » هذه، فقد تقدم في « الأنعام »، ويجوز الزمخشريُّ وقوع جواب الشرط استفهاماً بنفسه، وهذا لا يجوزُ، بل نصوا على وجوب ذكر الفاءِ في مثله، وإن ورد شيء من ذلك فهو ضرورة.