قال القرطبيُّ : وقيل : كل واحد من « أرَأيْتَ » بدل من الأول، و ﴿ ألَمْ يَعْلَمْ بأنَّ اللهَ يَرَى ﴾ الخبر.
فصل في تفسير الآية
قال المفسرون :« الذي يَنْهَى » أبو جهل، وقوله تعالى « عَبْداً » يعني محمداً ﷺ، فإن أبا جهل قال : لئن رأيت محمداً لأطأنَّ على عنقه. ثم إنه لما رأى رسول الله ﷺ في الصلاة نكص على عقبيه، فقالوا له : ما لك يا أبا الحكم، قال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً شديداً.
قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : فأنزل الله هذه الآيات تعجُّباً منه.
وعن الحسن : أنه أمية بن خلف، كان ينهى سلمان عن الصلاة.
وقيل : في الكلام حذف، والمعنى : من هذا الناهي عن الصلاة من العقوبة.
قوله :﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الهدى أَوْ أَمَرَ بالتقوى ﴾ أي : أرأيت يا أبا جهلٍ إن كان محمد ﷺ على هذه الصفة، أليس ناهية عن الصَّلاة والتَّقوى هالكاً؟.
قوله :﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى ﴾ يعني أبا جهل كذب بكتاب الله، وأعرض عن الإيمان.
وقال الفراءُ :﴿ أرَأيتَ الذي يَنْهَى عبداً إذا صلَّى ﴾، والناهي مكذب متولٍّ عن الذكر، أي : فما أعجب هذا بما يقول، ثم قال : ويله ﴿ ألَمْ يَعْلمْ ﴾ أبو جهل ﴿ بأنَّ الله يَرَى ﴾، أي : يراه ويعلم فعله، فهو تقريع وتوبيخ.
قال ابن الخطيب : هذا خطاب للنبي ﷺ على سبيل التعجب، وفي وجه هذا التعجب وجوه :
أحدها : أنه ﷺ قال :« اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلامَ بأبِي جَهلٍ أو بِعُمَرَ »، فقيل : أبمثل هذا يعزّ الإسلام وهو ينهى عبداً إذا صلى.
الثاني : أنه كان يلقب بأبي الحكمِ. فقيل : كيف يلقب بهذا وهو ينهى عن الصلاة.
الثالث : أنه كان يأمر وينهى ويعتقد وجوب طاعته، ثم إنه ينهى عن طاعة الربِّ تعالى، وهذا عين الحماقة والتكبُّر، ف « عبداً » يدل على التعظيم، كأنه قيل :[ ينهى أشد الخلق عبودية عن العبادة، وهذا عين الجهل، ولهذا لم يقل :] ينهاك، وأيضاً فإن هذا يدل على أن هذه عادته، ودأبه، فهو أبلغ في الذم أيضاً فهذا عام في كل من نهى عن الصلاة، وروي عن عليٍّ - رضي الله عنه - : أنه رأى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد، فقال : ما رأيت رسول الله ﷺ يفعل ذلك، فقيل له : ألا تنهاهم فقال : أخشى أن أدخل في قوله تعالى :﴿ أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى ﴾ [ العلق : ٩، ١٠ ]، فلم يصرح أيضاً بالنهي عن الصلاة.