وأيضاً فيه : إجلال لمنصب رسول الله ﷺ أن ينهاه رجل لا سيما مثل هذا.
قوله :﴿ كَلاَّ ﴾ ردع لأبي جهل عن نهيه عن عبادة الله تعالى، أو كلا لن يصل أبو جهلٍ إلى أن يقتل محمداً ﷺ ويطأ عنقه.
وقال مقاتل : كلا لا يعلم أن الله يرى، وإن كان يعلم لكن إذا كان لا ينتفع بناصيته يوم القيامة، وليسحبنه بها في النَّار، كقوله تعالى :﴿ فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام ﴾ [ الرحمن : ٤١ ]، فالآية وإن كانت في أبي جهلٍ، فهي عظةٌ للنَّاس، وتهديد لمن يمنع غيره عن الطاعة.
قوله :﴿ لَنَسْفَعاً ﴾، الوقف على هذه النون بالألف، تشبيهاً لها بالتنوين، ولذلك يحذف بعد الضمة والكسرة وقفاً، وتكتب هنا ألفاً إتباعاً للوقف.
وروي عن أبي عمرو :« لَنَسْفَعَنَّ » بالنون الثقيلة.
والسَّفع : الأخذ والقبض على الشيء بشدة، يقال : سفع بناصية فرسه، قال عمرو بن معديكرب :[ الكامل ]

٥٢٥٧- قَوْمٌ إذَا سَمِعُوا الصَّريخَ رَأيْتهُم ما بَيْنَ مُلْجمِ مُهْرهِ أوْ سَافعِ
وقيل : هو الأخذ، بلغة قريش.
وقال الرَّاغب : السَّفع : الأخذ بسعفة الفرس، أي : بسواد ناصيته، وباعتبار السواد قيل للأثافي : سفع، وبه سُفْعَةُ غضب اعتباراً بما يعلم من اللون الدخاني وجه من اشتد به الغضب.
وقيل للصقر : أسفع، لما فيه من لمع السواد، وامرأة سفعاء اللون انتهى.
وفي الحديث :« فَقَامَت أمْرَأةٌ سَفْعاءُ الخدَّيْنِ ».
وقيل : هو مأخوذ من سفعت النار والشمس إذا غيرت وجهه إلى حال تسويد.
قال :[ الكامل ]
٥٢٥٨- أثَافِيَّ سُفْعاً في مُعرَّسِ مِرْجَلٍ ونُؤيٌ كجذْمِ الحَوْضِ أثلمُ خَاشِعُ
قال القرطبيُّ : السفع الضرب، أي : ليلطمن وجهه، وكله متقارب المعنى، أي : يجمع عليه الضرب عند الأخذ، ثم يجر إلى جهنم.
وقرأ ابن مسعود :« لأسفعن »، أي : يقول الله تعالى : يا محمد أنا الذي أتولّى إهانته، لقوله تعالى :﴿ هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ ﴾ [ الأنفال : ٦٢ ] ﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة ﴾ [ الفتح : ٤ ]، والناصية : شعر مقدم الرأس، وقد يعبر بها عن جملة الإنسان، وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته.
قوله :﴿ نَاصِيَةٍ ﴾ بدل من « النَّاصية »، بدل نكرة من معرفة.
قال الزمخشريُّ :« وجاز بدلها عن المعرفة، وهي نكرة، لأنها وصفت، فاستقلت بفائدة ».
قال شهاب الدِّين : وهذا مذهب الكوفيين، لا يجيزون إبدال نكرة من غيرها إلا بشرط وصفها، وكونها بلفظ الأول، ومذهب البصريين : لا يشترط بشيءٍ؛ وأنشدوا :[ الوافر ]
٥٢٥٩- فَلاَ وأبِيكَ خَيْرٌ مِنْكَ إنِّي ليُؤذِينِي التَّحَمحُمُ والصَّهِيلُ
وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة، وزيد بن علي : بنصب « ناصِيةٌ كَاذِبَةٌ خَاطِئةٌ » على الشتم.
وقرأ الكسائي في رواية : بالرفع، على إضمار : هي ناصية، ونسب الكذب والخطأ إليها مجازاً. والألف واللام في « الناصية » قيل : عوض من الإضافة، أي : بناصيته.


الصفحة التالية
Icon