وقيل : الضمير محذوف، أي : الناصية منه.
فصل في معنى الآية
والمعنى : لنأخذنّ بناصية أبي جهل « كاذبة » في قولها، « خاطئة » في فعلها، والخاطئ معاقب مأخوذ، والمخطئ غير مأخوذ، ووصفت الناصية بأنها خاطئة كوصف الوجوه بالنظر في قوله « إلى ربها ناظرة »، وقيل : إن صاحبها كاذب خاطئ كما يقال : ليل قائم ونهار صائم، أي صائم في النهار وقائم في الليل، وإنما وصف الناصية بالكاذبة، لأنه كان كاذباً على الله تعالى في أنه لم يرسل محمداً ﷺ، وكاذباً على رسوله ﷺ في أنه ساحر، وكاذب أنه ليس بنبي؛ لأن صاحبها يتمرد على الله تعالى، كما قال تعالى :﴿ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخاطئون ﴾ [ الحاقة : ٣٧ ].
قوله :﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾، إما أن يكون على حذف مضاف، أي : أهل ناديه، أو على التجوُّز في نداء النادي لاشتماله على الناس، كقوله تعالى :﴿ وَسْأَلِ القرية التي كُنَّا فِيهَا ﴾ [ يوسف : ٨٢ ]، والنادي والندي : المجلس المتجدّد للحديث.
قال زهير :[ الطويل ]
٥٢٦٠- وفِيهِمْ مَقامَاتٌ حِسَانٌ وُجوهُهُمْ | وأنْدِيةٌ يَنْتَابُهَا القَوْلُ والفِعْلُ |
وقال تعالى :﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر ﴾ [ العنكبوت : ٢٩ ].
وقال أبو عبيدة :« ونَادِيَه » أهل مجلسه، ولا يسمى المكان نادياً حتى يكون فيه أهله، والمعنى : فليدع عشيرته، فليستنصر بهم.
قوله :﴿ سَنَدْعُ الزبانية ﴾.
قال الزمخشري :« والزبانية في كلام العرب : الشرط، الواحد : زبنية، كعفرية من الزَّبن، وهو الدَّفع.
وقيل : زبني، وكأنه نسب إلى الزبن، ثم غير للنسب، كقولهم : أمسيّ، وأصله : زباني، فقيل :» زبانية « على التعويض ».
وقال عيسى بن عمر والأخفش : واحدهم زابن.
وقيل : هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، كعباديد، وشماطيط، وأبابيل، والحاصل : أن المادة تدل على الدفع.
قال :[ الطويل ]
٥٢٦١- مَطَاعِيمُ في القُصْوَى مَطَاعِينُ في الوَغَى | زَبَانِيَةٌ غُلبٌ عِظامٌ حُلومُهَا |
٥٢٦٢- ومُسْتعْجِبٍ ممَّا يَرَى مِنْ أنَاتِنَا | ولوْ زَبَنَتْهُ الحَرْبُ لَمْ يَتَرَمْرَمِ |
وقال أبو الليث السمرقندي رحمه الله : ومنه المزابنة في البيع؛ لأنهم يعملون بأرجلهم، كما يعملون بأيديهم ].
وقرأ العامة :« سَندْعُ » بنون العظمة، ولم ترسم بالواو، وتقدم نظيره، نحو ﴿ يَدْعُ الداع ﴾ [ القمر : ٦ ].
وقرأ ابن أبي عبلة :« سيُدْعَى الزبانيةُ » مبنياً للمفعول ورفع « الزبانية » لقيامها مقام الفاعل.
فصل في المراد بالزبانية
قال ابن عباس : الملائكة الغلاظ الشداد، وروي أن النبي ﷺ لما قرأ هذه السورة وبلغ إلى قوله تعالى :﴿ لَنَسْفَعاً بالناصية ﴾ قال أبو جهل : أنا أدعو قومي حتى يمنعوا عني ربك، قال الله تعالى :﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزبانية ﴾ فلما ذكر الزبانية رجع فزعاً، فقيل له : أخشيت منه؟.
قال : لا، ولكن رأيت عنده فارساً، فهددني بالزبانية فما أدري ما الزبانية؛ ومال إليَّ الفارس، فخشيت منه أن يأكلني.