قوله تعالى :﴿ والعاديات ﴾، جمع عادية، وهي الجارية بسرعة من العدو، وهو المشي بسرعةٍ، والياء منقلبة عن واو لكسر ما قبلها، نحو : الغازيات، من الغزو، ويقال : عَدا يَعْدُو عَدْواً، فهو عادٍ، وهي عادية. وقد تقدم هذا في سورة « المؤمنين ».
قال عامة المفسرين : يريد الأفراس تعدو في سبيل الله تعالى.
قوله :﴿ ضَبْحاً ﴾، فيه أوجه :
أحدها : أنه مصدر مؤكد لاسم الفاعل، فإن الضبح نوعٌ من السير والعدو كالضبع، يقال : ضبح وضبع، إذا عدا بشدة، أخذاً من الضبع وهو الذراع، لأنه يمده عند العدو، وكأن الحاء بدل من العين، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة والمبردُ.
قال عنترةُ :[ مجزوء الكامل ]
٥٢٦٨- والخَيْلُ تَعْلَمُ حِينَ تَضْ | بَحُ في حِيَاضِ المَوْتِ ضَبْحَا |
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه حكاه، فقال : أحٍ أحٍ.
وقال قتادة : تضبح إذا عدت، أي : تحمحم.
وقال الفراء : والضبح : أصوات أنفاسها إذا عدون. وقيل : كانت تكمكم لئلا تصهل، فيعلم العدو بهم، فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة.
ونقل عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - : أنه لم يضبح من الحيوان غير الخيل والكلب والثعلب، وهذا ينبغي أن يصحَّ عنه؛ لأنه روي عنه أنه قال : سُئلتُ عنها، ففسرتها بالخيل؛ وكان علي - رضي الله عنه - تحت سقاية زمزم، فسأله، فذكر ما قلت؛ فدعاني، فلما وقفت على رأسه، قال : تفتي الناس بغير علمٍ، والله إنها لأولُ غزوةٍ في الإسلامِ، وهي بدر، ولم يكن معنا إلا فرسان : فرسٌ للمقدادِ، وفرس للزبير، فكيف تكون العاديات ضبحاً؟ إنما العاديات الإبل من « عرفة » إلى « المزدلفة »، ومن « المزدلفة » إلى « منى » يعني إبل الحاج.
قال ابن عباسٍ : فرجعت إلى قول علي - رضي الله عنه - وبه قال ابن مسعود، وعبيد بن عمير، ومحمد بن كعب، والسديُّ رضي الله عنهم.
ومنه قول صفية بنت عبد المطلب :[ الوافر ]
٥٢٦٩- فَلاَ والعَاديَاتِ غَداةَ جَمْعٍ | بأيْديهَا إذا سَطعَ الغُبَارُ |
ونقل غيره : أن الضبح، يكون في الإبل، والأسود من الحيَّات، والبُوم، والصدى، والأرنب، والثعلب، والفرس.
وأنشد أبو حنيفة رضي الله عنه :[ الرجز ]
٥٢٧٠- حنَّانةٌ من نشَمٍ أو تَألَبِ | تَضْبَحُ في الكفِّ ضُباحَ الثَّعْلبِ |