الثالث من أوجه النصب : أن يكون منصوباً بفعل مقدر، أي : يضبح ضبحاً، وهذا الفعل حال من « العَاديَاتِ ».
الرابع : أنه منصوب ب « العَادِياتَ »، وإن كان المراد به الصوت.
قال الزمخشري :« كأنه قيل : والضابحات، لأن الضبح يكون مع العدو ».
قال أبو حيَّان :« وإذا كان الضَّبح مع العدو، فلا يكونُ معنى والعاديات معنى الضابحات فلا ينبغي أن يفسر به » انتهى.
قال شهاب الدين : لم يقل الزمخشري إنه بمعناه، إنما جعله منصوباً، لأنه لازم لا يفارقه، فكأنه ملفوظ به. وقوله : كأنه قيل؛ تفسير التلازم لا أنه هو هو.
فصل في هذا القسم
قال ابن العربي : أقسم الله تعالى بمحمد ﷺ فقال :﴿ يس والقرآن الحكيم ﴾ [ يس : ١، ٢ ]، وأقسم بحياته فقال :﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [ الحجر : ٧٢ ]، وأقسم بخيله وصهيلها وغبارها، وقدح حوافرها النار من الحجر، فقال :﴿ والعاديات ضَبْحاً ﴾.
وقال الشعبيُّ : تمارى عليٌّ وابن عباس في « العَادِياتَ » فقال علي : هي الإبل تعدو في الحج.
وقال ابن عباس : هي الخيلُ، ألا تراه يقولُ :« فأثَرْنَ بِهِ نَقْعاً » فهل تثير إلا بحوافرها وهل تضبح الإبل؟.
فقال علي رضي الله عنه : ليس كما قلت لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق للمقداد، وفرس لمرثد بن أبي مرثد.
وعلى هذا فالقول :﴿ فالموريات قَدْحاً ﴾ أي : الحافر يرمي بالحجر من شدة العدو، فيضرب به حجارة أخرى فتوري النار، أو يكون المعنى : الذين يركبون الإبل، وهم الحجيج إذا أوقدوا نيرانهم ب « المزدلفة »، وقوله تعالى :﴿ فالمغيرات صُبْحاً ﴾، والإغارة : سرعة السير، وهم يدفعون صبيحة يوم النحر مسرعين إلى « منى ».
﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ يعني « مزدلفة »، لأنها تسمى بجمع، لاجتماع الحاجِّ بها، وعلى هذا التقدير، فوجه القسم بها ما تقدم ذكره من المنافع الكثيرة في قوله تعالى :﴿ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [ الغاشية : ١٧ ].
وأيضاً : الغرض بذكر إبل الحج : الترغيب في الحج، فإن الكنود : هو الكفور، والذي لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك، كما في قوله تعالى :﴿ وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ].
ومن قال : هي الخيل، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك وعطاء وأكثر المحققين، قال : إنَّ النبي ﷺ بعث سرية إلى أناس من بني كنانة، فأبطأ عليه خبرها، وكان استعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري، وكان أحد النقباء، فقال المنافقون : إنهم قتلوا فنزلت هذه السورة إخباراً للنبي ﷺ بسلامتها، وبشارة له بإغارتها على القوم، فالمراد : الخيل التي يغزو عليها المؤمنون.
وفي الخبر :