« مَنْ لمْ يَعرفْ حُرمَةَ فرسِ الغَازي، ففيهِ شُعبةٌ مِنَ النِّفاقِ »، وعلى هذا القول، فالسورة مدنية، لأن الإذن في القتال إنما كان ب « المدينة ».
قوله :﴿ فالموريات قَدْحاً ﴾، قال عكرمة وعطاء والضحاك : هي الخيلُ حين توري النار بحوافرها وهي سنابكها.
و « قَدْحاً » يجوز أن يكون مصدراً مؤكداً؛ لأن الإيراء من القدح، يقال : قدح فأورى، وقدح فأصلد.
ويجوز أن يكون حالاً، فالمعنى :« قادحات »، أي : ضابحات بحوافرها ما توري النار، ويقال : قدحت الحجر بالحجر، أي : صككته به.
وقال الزمخشريُّ : انتصب « قدحاً » بما انتصب به « ضبحاً » وكأنه جوّز في نصبه ثلاثة أوجه : النصب بإضمار فعله، والنصب باسم الفاعل قبله لأنه ملازمه، والنصب على الحال، وتسمى تلك النار التي تخرج من الحوافر : نار الحباحب.
قال :[ الطويل ]
٥٢٧١- تَقُدُّ السَّلوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجهُ | وتُوقِدُ بالصُّفَّاحِ نَارَ الحُباحِبِ |
فصل في معنى الموريات
روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أورت بحوافرها غباراً، وهذا يخالف سائر ما روي عنه في قدحِ النارِ، وإنما هذا في الإبل [ وروى ابن نجيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى :﴿ فالموريات قَدْحاً ﴾ قال هي في القتال وهو في الحج، قاله ابن مسعود هي الإبل تطأ الحصى فيخرج منه النار ].
وأصل القدح : الاستخراج، ومنه قدحت العين : إذا أخرجت منها الماء الفاسد، واقتدحت بالزّند، واقتدحت المرق : غرفته. ورَكيٌّ قدوح : يغرف باليد.
والقديح : ما يبقى في أسفل القدر، فيغرف بجهد، والمقدحة : ما تقدح به النار.
والقداحة والقداح : الحجر الذي يُورِي النار.
يقال : وَرَى الزند - بالفتح - يري ورْياً : إذا خرجت ناره، وفيه لغة أخرى، ورِي الزند - بالكسر - يرى فيهما، وقد مضى في سورة « الواقعة ».
وقيل : هذه الآيات في الخيل، ولكن إيراءها : أن تهيج الحرب بين أصحابها، وبين عدوهم. ويقال للحرب إذا التحمت : حَمِيَ الوطيس، ومنه قوله تعالى :﴿ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله ﴾ [ المائدة : ٦٤ ].
قال ابن عباس : المراد ب ﴿ فالموريات قَدْحاً ﴾ مكر الرجال في الحرب، وقاله مجاهد وزيد ين أسلم : والعربُ يقولون إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : والله لأمكرن بك، ثم لأورين لك.
وعن ابن عباس أيضاً : هم الذين يغزون فيورون نيرانهم بالليل، لحاجتهم وطعامهم.
وعنه أيضاً أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهاباً، ليظنها العدو كثيراً.
وقيل : هي أفكار الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به ويظهر بها من إقامة الحججِ، وإقامةِ الدَّلائلِ، وإيضاح الحق، وإبطال الباطلِ.
قال القرطبي : هذه الأقوال مجاز، ومنه قولهم : فلان يُوري زناد الضلالة، والأول : الحقيقة، وأن الخيل من شدة عدوها تقدح النَّار بحوافرها.
قال مقاتل : العرب تسمي تلك النَّار نار أبي حُبَاحب، وكان أبو حباحب شيخاً من مضر في الجاهلية، من أبخل الناس، وكان لا يُوقد نار الخبز ولا غيره حتى تنام العيون، فيوقد نُويْرَة تقد مرة، وتخمد أخرى، فإن استيقظ لها أحد أطفأها، كراهية أن ينتفع بها أحدٌ، فشبهت هذه النار بناره؛ لأنه لا ينتفع بها.