واعلم أنه تعالى لما خوف المكذبين أولي النَّعمةِ بأهوال يوم القيامة خوفهم بعد ذلك بأهوال الدنيا، فقال :
﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً ﴾ يريد النبي ﷺ أرسله إلى قريش ﴿ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ﴾ وهو موسى - ﷺ - وهذا تهديد لأهل مكة بالأخذ الوبيل.
قال مقاتل : وإنما ذكر موسى وفرعون دون سائر الرسل لأن أهل « مكة » ازدروا محمداً ﷺ واستخفوا به؛ لأنه ولد فيهم كما أن فرعون ازدرى بموسى؛ لأنه ربَّاه، ونشأ فيما بينهم كما قال تعالى :﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا ﴾ [ الشعراء : ١٨ ].
وذكر ابن الخطيب هذا السؤال والجواب وليس بالقوي لأن إبراهيم - ﷺ - ولد، ونشأ فيما بين قوم نمرود، وكان « آزَر » وزير نمرود على ما ذكره المفسرون، وكذلك القول في نوح وهود وصالح ولوط، لقوله تعالى في قصة كل واحد منهم لفظة « أخاهم » لأنه من القبيلة التي بعث إليها.
قوله :﴿ فعصى فِرْعَوْنُ الرسول ﴾، إنما عرفه لتقدم ذكره، وهذه « أل » العهدية، والعرب إذا قدمت اسماً ثم حكت عنه ثانياً، أتوا به معرفاً ب « أل »، أو أتوا بضميره لئلا يلتبس بغيره نحو « رأيت رجلاً فأكرمتُ الرجل، أو فأكرمته »، ولو قلت :« فأكرمت رجلاً » لتوهم أنه غير الأول وسيأتي تحقيق هذا عند قوله تعالى :﴿ فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾ [ الشرح : ٦ ] وقوله - ﷺ - :« لَنْ يغْلِبَ عسرٌ يُسرين ».
قال المهدوي هنا : ودخلت الألف واللام في « الرسول » لتقدم ذكره، ولذلك اختير في أول الكتب « سَلامٌ عَليْكُم »، وفي آخرها « السَّلام عليْكُم ».
قوله :﴿ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾، أي : شديداً، وضرب وبيل، وعذاب وبيل، أي : شديد.
قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه :« مطر وابل »، أي : شديد، قاله الأخفش.
وقال الزَّجاجُ : أي : ثقيلاً غليظاً، ومنه قيل للمطر وابل. وقيل : مهلكاً، قال :[ الكامل ]

٤٩٣٤ - أكَلْتِ بَنِيكِ أكْل الضَّبِّ حتَّى وجَدْتِ مرارة الكَلأ الوَبيلِ
واستوبل فلان كذا : أي : لم يحمد عاقبته، وماء وبيل، أي : وخيم غير مريء وكلأ مستوبل، وطعام وبيل ومستوبل إذا لم يُمرأ ولم يستمرأ؛ قال زهير :[ الطويل ]
٤٩٣٥ - فَقضَّوا مَنايَا بَينَهُمْ ثُمَّ أصْدَرُوا إلى كَلأٍ مُستوبَلٍ مُتوخمِ
وقالت الخنساء :[ الوافر ]
٤٩٣٦ - لَقَدْ أكَلتْ بجِيلةُ يَوْمَ لاقَتْ فَوارِسَ مالِكٍ أكْلاً وبِيلا
والوبيل أيضاً : العصا الضخمة؛ قال :[ الطويل ]
٤٩٣٧ - لَوْ أصْبَحَ فِي يُمْنَى يَديَّ رِقامُهَا وفِي كفِّيَ الأخْرَى وبِيلاً نُحَاذِرُهْ
وكذلك :« الوبل » بكسر الباء، و « الوبل » أيضاً : الحزمة من الحطب وكذلك « الوبيل ».


الصفحة التالية
Icon