قوله :﴿ إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾. هذا هو المقسم عليه، و « لرَبِّهِ » متعلق بالخبر، وقدم الفواصل، والكنُود : الجحود.
وقيل : الكفور لنعمه، وأنشد :[ الطويل ]
٥٢٨١- كَنُودٌ لِنعْمَاءِ الرِّجَالِ ومَنْ يَكُنْ | كَنُوداً لِنعْماءِ الرِّجَالِ يُبعَّدِ |
وأنشد أبو زيد :[ الخفيف ]
٥٢٨٢- إنْ تَفُتْنِي فلمْ أطِبْ عَنْكَ نَفْساً | غَيْرَ أنِّي أمْسِي بِدهْرٍ كَنُودِ |
وقيل : الكنود : من كند إذا قطع، كأنه يقطع ما ينبغي أن يواصله من الشكر، ويقال : كند الخيل : إذا قطع؛ قال الأعشى :[ المتقارب ]
٥٢٨٣- يُعْطِي عَطاءً بِصُلبِ الفُؤادِ | وصُولِ حِبَالٍ وكنَّادِهَا |
٥٢٨٤- أحْدِثْ لهَا تُحدِثُ لوصْلِكَ إنَّهَا | كُنُدٌ لوِصْلِ الزَّائرِ المُعْتَادِ |
واعلم أن الكنود لا يخرج عن أن يكون كفراً أو فسقاً، وكيفما كان فلان يمكن حمله على كل الناس، فلا بد من صرفه إلى كافر معين، وإن حملناه على الكل فالمعنى أن طبع الإنسان يحمله على ذلك إلا إذا عصمه الله بلطفه وتوفيقه.
قال ابن عباس : الإنسان هنا الكافر، يقول : إنه لكفور، ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت شيئاً. وقال الضحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة. وقال أبو بكر الواسطي : الكنُود : الذي ينفق نعم اللهِ في معاصي الله.
وقال ذو النون المصري : الهلوع والكنود : هو الذي إذا مسه الشرُّ جزوعٌ، وإذا مسَّه الخيرُ منوع. وقيل : هو الحسود الحقود.
قال القرطبي :« هذه الأقوال كلُّها ترجع إلى معنى الكفران والجحود ».
وقال ابن عباس - رضي الله عنه - نزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي، لقوله :﴿ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور ﴾ [ العاديات : ١٩ ] ولا يليق إلا بالكافر المنكر لذلك.
قوله :﴿ وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾. أي : وإن الله - تعالى - على ذلك من ابن آدم لشهيد، قاله ابن عباس ومجاهد وأكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة ومحمد بن كعب :« وإنَّهُ » أي : وإن الإنسان لشاهدٌ على نفسه بما يصنع كقوله تعالى بعد ذلك :﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ ﴾.