و ﴿ عِلْمَ اليقين ﴾ مصدر.
قيل : وأصله العلم اليقين، فأضيف الموصوف إلى صفته.
وقيل : لا حاجة إلى ذلك؛ لأن العلم يكون يقيناً وغير يقين، فأضيف إليه إضافة العام للخاص، وهذا يدل على أنَّ اليقينَ أخصُّ.
فصل في المراد باليقين
قال المفسِّرون : أضاف العلم إلى اليقين، كقوله تعالى :﴿ لَهُوَ حَقُّ اليقين ﴾ [ الواقعة : ٩٥ ]، قال قتادة : اليقين هنا : الموت.
وعنه أيضاً : البعث، لأنه إذا جاء زال الشكُّ، أي : لو تعلمون علم البعث أو الموت، فعبر عن الموت باليقين، كقولك : علم الطب، وعلم الحساب، والعلم من أشد البواعث على الفعل، فإذا كان بحيث يمكن العمل، كان تذكرة، وموعظة، وإن كان بعد فوات العمل كان حسرة، وندامة، وفيها تهديد عظيم للعلماء، الذين لا يعملون بعلمهم.
قوله :﴿ لَتَرَوُنَّ الجحيم ﴾. جواب قسم مقدر، أي : لترون الجحيم في الآخرة.
والخطاب للكفار الذين وجبت لهم النار.
وقيل : عام [ كقوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ [ مريم : ٧١ ] فهي للكفار دار، وللمؤمنين مَمَرّ ].
وقرأ ابن عامر، والكسائي :« لتُروُنَّ » مبنياً للمفعول، وهي مفعولة من « رأى » الثلاثي أي : أريته الشيء، فاكتسب مفعولاً آخر، فقام الأول مقام الفاعل، وبقي الثاني منصوباً.
والباقون مبنياً للفاعل، جعلوه غير منقول، فتعدى لواحد فقط، فإن الرؤية بصرية.
وأمير المؤمنين، وعاصم، وابن كثير في رواية عنهم : بالفتح في الأول، والضم في الثاني، يعني : لترونها.
ومجاهد، وابن أبي عبلة، وأشهب : بضمها فيهما.
والعامة على أن الواوين لا يهمزان؛ لأن حركتهما عارضة.
وقد نصّ مكي، وأبو البقاء على عدم جوازه، وعللا بعروض الحركة.
وقرأ الحسن وأبو عمرو بخلاف عنهما : بهمز الواوين استثقالاً لضمة الواو.
قال الزمخشري :« هِيَ مُسْتكرَهة »، يعني لعروض الحركة عليها، إلا أنهم قد همزوا ما هو أولى لعدم الهمز من هذه الواو، نحو :﴿ اشتروا الضلالة ﴾ [ البقرة : ١٦ ] همزوا واو « اشترؤا » مع أنها حركة عارضة، وتزول في الوقف، وحركة هذه الواو، وإن كانت عارضة، إلا أنَّها غير زائلة في الوقف، فهو أولى بهمزها.
قوله :﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين ﴾ هذا مصدر مؤكد، كأنه قيل : رؤية اليقين نفياً لتوهم المجاز في الرؤية الأولى.
وقال أبو البقاء : لأن « رأى »، و « عاين » بمعنى.
فصل في معنى الآية
معنى الكلام :« لتَرَوُنَّ الجَحِيمَ » بأبصاركم على البعد « ثُمَّ لتَروُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ » أي : مشاهدة.
وقيل :﴿ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلمَ اليَقِينَ ﴾، معناه :« لَوْ تَعْلَمُونَ » اليوم في الدنيا « عِلمَ اليَقِينِ » بما أمامكم مما وصفت « لَتَروُنَّ الجَحِيم » بعيون قلوبكم، فإن علم اليقين يريك الجحيم بعين فؤادك، وهو أن يصور لك نار القيامة ﴿ ثُمَّ لتَرونَّها عَيْنَ اليَقِينِ ﴾، أي : عند المعاينة بعين الرأس، فتراها يقيناً، لا تغيب عن عينك، ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم ﴾ في موقف السؤال والعرض.