فصل فيمن نزلت فيه السورة


روى الضحاك عن ابن عبَّاس : أنها نزلت في الأخنس بن شريق، كان يلمز الناس، ويعيبهم مقبلين، ومدبرين.
وقال ابن جريج : نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي ﷺ من ورائه، ويقدح فيه في وجهه.
وقيل : إنها نزلت في أبي بن خلف.
وقيل : في جميل بن عامر الثقفي.
وقيل : إنها عامة من غير تخصيص، وهو قول الأكثرين.
قال مجاهد : ليست بخاصة لأحد، بل لكل من كانت هذه صفته.
وقال الفراءُ : يجوز أن يذكر الشيء العام، ويقصد به الخاص، قصد الواحد إذا قال : أزورك أبداً، فتقول : من لم يزرني فلست بزائره، تعني ذلك القائل.

فصل في نظم الآية


قال ابن الخطيب : فإن قيل : لم قال :« ويلٌ » منكراً، وفي موضع آخر :« ولَكُمُ الويْلُ »، معرفاً؟.
فالجواب : لأن ثمة قالوا :﴿ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [ الأنبياء : ١٤، ٤٦ ]، فقال :« ولكُمُ الويْلُ » وهاهنا نكر، حتى لا يعلم كنهه إلا الله تعالى.
قيل : في « ويْلٌ » إنها كلمة تقبيح، و « ويس » استصغار، « ويح » ترحم، فنبه بهذا على قبيح هذا الفعل.
قوله :﴿ الذى جَمَعَ ﴾ قرأ ابن عامر والأخوان : بتشديد الميم، على المبالغة، والتكثير.
والباقون : مخففاً، وهي محتملة للتكثير وعدمه.
وقوله تعالى :﴿ وَعَدَّدَهُ ﴾، العامة : على تثقيل الدَّال الأولى، وهي أيضاً للمبالغة.
وقرأ الحسن والكلبي : بتخفيفها، وفيه أوجه :
أحدها : أن المعنى جمع مالاً، وعدد ذلك المال، أي : وجمع عدده : أي : أحصاه.
والثاني : أن المعنى وجمع عدد نفسه من عشيرته، وأقاربه وعدده، وعلى هذين التأويلين اسم معطوف على « مالاً »، أي : وجمع عدد المال، وعدد نفسه.
والثالث : أن عدده فعل ماض بمعنى عده، إلا أنه شذّ في إظهاره كما شذَّ في قوله :[ البسيط ]
٥٢٩٣-................................ إنِّ أجُودُ لأقوامٍ وإنْ ضَنِنُوا
أي : ضنوا وبخلوا، فأظهر التضعيف.
و « الذي » بدل من كل أو نصب على الذم، وإنما وصفه تعالى بهذا الوصف، لأنه يجري مجرى المسبب والعلة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فسيتنقص غيره.

فصل في معنى جمع المال


قال المفسرون :﴿ جَمَعَ مالاً وعدَّدهُ ﴾، أي : أعده لنوائب الدهر، مثل : كرم، وأكرم.
وقيل : أحصى عدده. قاله السدي.
وقال الضحاكُ : أي : أعد ماله لمن يرثه من أولاده.
وقيل : تفاخر بعدده، وكثرته، والمقصود : الذم على إمساك المال على سبيل الطاعة، كقوله :﴿ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ﴾ [ ق : ٢٥ ].
قوله :﴿ يَحْسَبُ ﴾، يجوز أن يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً من فاعل « جَمَعَ »، و « أخْلدهُ » بمعنى :« يُخلِدهُ » وأوقع الماضي موقع المضارع.
وقيل : هو على الأصل، أي : أطال عمره.
قال السديُّ :« يظن أن ماله أخلده، أي : يبقيه حياً لا يموت ».
وقال عكرمة : أي : يزيد في عمره وقيل : أحياه فيما مضى.
وهو ماض بمعنى المستقبل، وقالوا : هلك والله فلان، ودخل النار. أي : يدخل النار.


الصفحة التالية
Icon