قوله :﴿ كَلاَّ ﴾، رد لما توهمه الكفار، أي : لا يخلد ولا يبقى له مال.
وقيل : حقاً لينبذن.
قوله :﴿ لَيُنبَذَنَّ ﴾، جواب قسم مقدر، وقرأ علي والحسن - رضي الله عنهما - بخلاف عنه، ومحمد بن كعب، ونصر بن عاصم، وحميد، وابن محيصن، وأبو عمرو في رواية :« لَيُنْبذَنَّ » بألف التثنية، لينبذان أي : هو وماله.
وعن الحسن أيضاً :« ليُنبذُنَّ » بضم الذال، وهو مسند لضمير الجماعة، أي : ليطرحن الهمزة، وأنصاره واللمزة، والمال، وجامعه معاً.
وقرأ الحسن أيضاً :« ليُنبذَنَّهُ » على معنى لينبذن ماله.
وعنه أيضاً : بالنون « لَنَنْبُذَنَّهُ » على إخبار الله - تعالى - عن نفسه، وأنه ينبذ صاحب المال. ﴿ فِي الحطمة ﴾ وهي نار الله، سميت بذلك؛ لأنها تكسر كل ما يلقى فيها وتحطمه، وتهشمه، والحطمة : الكثير الحطم، يقال : رجل حطمة : أي أكول، وحطمته : كسرته، قال :[ الرجز ]

٥٣٠٤-................................. قَدْ لفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ
وقال آخر :[ الرجز ]
٥٣٠٥- إنَّا حَطَمْنَا بالقَضيبِ مُصْعبَا يَوْمَ كَسرْنَا أنفهُ ليَغْضَبَا
حكى الماوردي عن الكلبي : ان الحطمة، هي الطبقة السادسة من طبقات جهنم، وحكي القشيريُّ عنه :« الحُطمةُ » الدرجة الثانية من درج النار.
وقال الضحاك : وهي الدرك الرابع.
وقال ابن زيدٍ : اسم من أسماء جهنم.
قوله :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحطمة ﴾، على التعظيم لشأنها، والتفخيم لأمرها : ثم فسرها ما هي فقال :﴿ نَارُ الله الموقدة ﴾، أي : هي نار الله التي أوقد عليها ألف عام، حتى احمرت، وألف عام حتى اسودّت، وألف عام حتى ابيضّت.
قوله :﴿ التي تَطَّلِعُ ﴾ يجوز أن تكون تابعة ل « نارُ اللهِ »، وأن تكون مقطوعة.
قال محمد بن كعب : تأكل النار جميع ما في أجسادهم، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد، خلقوا خلقاً جديداً، فرجعت تأكلهم، وكذلك روى خالد بن أبي عمران عن النبي ﷺ :« إنَّ النار تأكل أهلها، حتى إذا طلعت على أفئدتهم انتهت، ثُمَّ إذا صدروا تعود، فلذلك قوله تعالى :﴿ نَارُ الله الموقدة التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة ﴾ » وخص الأفئدة؛ لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه، أي : أنه في حال من يموت، وهم لا يموتون، كما قال تعالى :﴿ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى ﴾ [ طه : ٧٤ ] فهم إذاً أحياءٌ، في معنى الأموات.
وقيل : معنى ﴿ تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة ﴾ أي : تعلم مقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب، وكذلك بما استبقاه الله - تعالى - من الأمارة الدَّالة عليه، ويقال : اطَّلَع فلان على كذا : أي : علمه، [ وقد قال تعالى :﴿ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وتولى ﴾ [ المعارج : ١٧ ].
وقال تعالى :﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ [ الفرقان : ١٢ ].
قوله تعالى :﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ﴾. أي : مطبقة عليهم، قاله الحسن والضحاك وقد تقدم في سورة البلد.


الصفحة التالية
Icon