وقالت عائشة - رضي الله عنها - : هي أشبه شيء بالخطاطيف.
[ وقيل : إنها أشبه بالوطاويط ].
وقيل : إنها العنقاء التي يضرب بها الأمثال.
قال النحاس : وهذه الأقوال متفقة المعنى، وحقيقة المعنى : أنها جماعات عظام، يقال : فلان يؤبل على فلان، أي : يعظم عليه ويكثر، وهو مشتقّ من الإبل.
قال ابن الخطيب : هذه الآية ردّ على الملحدين جدًّا، لأنهم ذكروا في الزَّلازل، والرياح والصواعق، والخسف، وسائر الأشياء التي عذب الله - تعالى - بها الأمم أعذاراً ضعيفة، أما هذه الواقعة، فلا يجري فيها تلك الأعذار، وليس في شيء من الطَّبائع والحيل أن يعهد طير معها حجارة، فيقصد قوماً دون قوم فيقتلهم، ولا يمكن أن يقال : إنه كسائر الأحاديث الضعيفة؛ لأنه لم يكن بين عام الفيل، ومبعث الرسول إلا نيفاً وأربعين سنة، ويوم تلا رسول الله ﷺ هذه الآية، كان قد بقي جمع شاهدوا تلك الواقعة، فلا يجري فيها تلك الأعذار، ولو كان النقل ضعيفاً لكذبوه، فعلمنا أنه لا سبيل للطَّعن فيها.
قوله :﴿ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ ﴾، « بِحجَارَةِ » صفة ل « طير »، وقرأ العامة :« تَرْميهِمْ » بالتأنيث.
وأبو حنيفة، وابن يعمر، وعيسى، وطلحة : بالياء من أسفل، وهما واضحتان، لأن اسم الجمع يذكر ويؤنث.
ومن الثانية قوله :[ البسيط ]

٥٣١١-.................................. كالطَّيْرِ يَنْجُو مِنَ الشُّؤبُوبِ ذي البَردِ
وقيل : الضمير لربِّك، أي : يرميهم ربك بحجارة، و « مِنْ سِجِّيل » صفة ل « حِجَارة » والسجيل، قال الجوهري : قالوا حجارة من طين، طبخت بنار جهنم، مكتوب فيها أسماء القوم، لقوله تعالى :﴿ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ ﴾ [ الذاريات : ٣٣ ].
وقال عبد الرحمن بن أبزى :« مِنْ سجِّيْلٍ » من السماء، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط.
وقيل : من الجحيم، وهي « سِجِّين » ثم أبدلت اللام نُوناً، كما قالوا في أصيلان : أصيلال، قال ابن مقبلٍ :[ البسيط ]
٥٣١٢-.................................. ضَرْباً تَواصَتْ بِهِ الأبطالُ سِجِّنَا
إنما هو « سجيلاً ».
وقال الزجاج :« مِنْ سجِّيل »، أي : مما كتب عليهم أن يعذبوا به، مشتق من السجل وقد تقدم القول في السجيل في سورة « هود ».
قال عكرمة :[ كانت ترميهم بحجارة معها ]، فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري لم ير قبل ذلك اليوم.
وقال ابن عبَّاس رضي الله عنه : كان الحجر إذا وقع على أحدهم نفط جلده، وكان ذلك أول الجدري.
قال يونس وأبو عبيدة : والسجيل عند العرب : الشديد الصلب.
قال بعض المفسرين : إنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب كلمة واحدة، وإنهما : سجّ وجيل : فالسجُّ : الحجر، والجيل : الطِّين، أي من هذين الجنسين : الحجر والطين.
قال أبو إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة أنه قال : أول ما دامت الحصبة بأرض العرب ذلك وإنه أول ما رأى بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشار ذلك العام.


الصفحة التالية
Icon