وقرأ أبو جعفر :« لإلف قريش » بهمزة مكسورة، بزنة :« قِرْد »، وقد تقدم أنه مصدر ل « ألف » كقوله :[ الوافر ]
٥٣١٥-................................ | لَهُمْ إلْفٌ وليْسَ لَكُمْ إلافُ |
وروت أسماء - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله ﷺ يقرأ :« إلفهم »، وهو مروي أيضاً عن ابن عبَّاس وغيره.
وعنه أيضاً وعن ابن عامر :« إلافهم » مثل « كتابهم ».
وعنه أيضاً :« ليْلافهم » بياء ساكنة بعد اللام، وذلك أنه لما أبدل الثانية حذف الأولى على غير قياس.
وقرأ عكرمة :« ليألف قريش » فعلاً مضارعاً.
وعنه أيضاً :« لتألف قريش » على الأمر واللام مكسورة، وعنه فتحها مع الأمر وهي لغة.
فصل في اتصال السورة بما قبلها
تقدم أن هذه السورة، متصلة بما قبلها في المعنى، أي : أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش، أي : لتأليف قريش أو لتنفق قريش، أو لتأمن قريش فتؤلف رحلتيها.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : إنما كان الإهلاك لكفرهم.
قلنا : جزاء الكفور يكون يوم القيامة، يجزي كل نفس بما كسبت للأمرين معاً، ولكن لا تكون اللام لام العاقبة، أو يكون المعنى :« ألم تَرَ كيف فعل ربُّك بأصحاب الفيل؛ لإيلاف قريش »، أي : كل ما تضمنته السورة « لإيلافهم »، أو تكون اللاَّم بمعنى « إلى »، أي : وجعلنا هذه النعم مضافاً إلى قريش.
وقال الكسائي والأخفش : اللام في ﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾ لام التعجب. أي اعجبوا لإيلاف قريش، نقله القرطبي.
قال الفراء : هذه السورة متصلة بالسورة الأولى؛ لأنه ذكر أهل « مكة » عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة، ثم قال - جلا وعلا - :﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾. فعلنا بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش، وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها، فلا يغار عليها في الجاهلية، يقولون : هم أهل بيت الله تعالى حتَّى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة فأهلكه الله تعالى، فذكرهم نعمته، أي : فجعل الله تعالى ذلك ﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾ أي : ليألفوا الخروج ولا يتجرأ عليهم، قاله مجاهد وابن عباس في رواية سعيد بن جبير.
قال ابن عباس، في قوله تعالى :﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾ قال : نعمتي على قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، قال : كانوا يشتون ب « مكة »، ويصيفون ب « الطائف »، وعلى هذا القول يجوز الوقف على رءوس الآي، وإن لم يكن الكلام تاماً.
قال ابن الخطيب : والمشهور أنهما سورتان، ولا يلزم من التعلق الاتحاد؛ لأن القرآن كسورة واحدة.
وقال الخليل : ليست متصلة، كأنه قال : ألف الله قريشاً إيلافاً، فليعبدوا ربَّ هذا البيت [ واللام متعلقة بقوله تعالى : فليعبد هؤلاء رب هذا البيت، لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف للامتياز، ويحمل ما بعد الألف ألفاً على ما قبلها؛ لأنها زائدة غير عاطفة كقولك : زيد فاضرب، وأما مصحف أبيّ فمعارض بإطباق على الفصل بينهما، وأما قراءة عمر -Bه - فالإمام قد يقرأ سورتين ].