قال سيبويه في معدّ، وقريش، وثقيف، وكينونة، هذه للأحياء أكثر، وإن جعلتها أسماء للقبائل، فهو جائز حسن.
قوله :﴿ إِيلاَفِهِمْ ﴾ مؤكد للأول تأكيداً لفظيًّا، وأعربه أبو البقاء : بدلاً.
قوله :« رحلة » مفعول به بالمصدر، والمصدر مضاف لفاعله، أي : لأن ألفوا رحلة، والأصل : رحلتي الشتاء والصيف، ولكنه أفرد لأمن اللبس؛ كقوله :[ الوافر ]
٥٣٢٠- كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكمُ تَعِفُّوا | ............................... |
٥٣٢١- حَمَامَةَ بَطْنِ الوادِيَيْنِ تَرَنَّمِي | ............................... |
قال القرطبي :« رِحْلة » نصب بالمصدر أي : ارتحالهم رحلة، أو بوقوع « إيْلافِهم » عليه، أو على الظرف، ولو جعلتها في محل الرفع على معنى هما رحلتا الشتاء، والصيف، لجاز.
وقرأ العامة : بكسر الراء، وهي مصدر.
وأبو السمال : بضمها، وهي الجهة التي يرتحل إليها، والشتاء : واد، شذُّوا في النسب إليه، فقالوا : شتوي، والقياس : شِتَائي، وشِتَاوي ك « كسائي، وكِسَاويّ ».
فصل في معنى الآية
قال مجاهد في قوله تعالى :﴿ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف ﴾ : لا يشق عليهم رحلة شتاء ولا صيف منة منه على قريش.
وقال الهروي وغيره : كان أصحاب الإيلاف أربعة إخوة : هاشم، وعبد شمس، والمطلب، ونوفل بنو عبد مناف، فأما هاشم فإنه كان يؤلف ملك « الشام »، أي : أخذ منه حبلاً وعهداً يأمن به في تجارته إلى « الشام »، وأخوه عبد شمس كان يؤلف إلى « الحبشة »، والمطلب إلى « اليمن »، ونوفل إلى « فارس »، ومعنى يؤلف : يجير، فكان هؤلاء الإخوة يسمون المجيرين، فكان تُجَّارُ قريش يختلفون إلى الأمصار، بحبل هؤلاء الإخوة، فلا يتعرض لهم.
قال الأزهري : الإيلاف : شبه الإجارة بالخفارة، يقال : آلف يؤلف : إذا أجار الحمائل بالخفارة، والحمائل : جمع حمولة.
قال : والتأويل : أن قريشاً كانوا سكان الحرم، ولم يكن لهم زرع ولا ضرع، وكانوا يميرون في الشتاء، والصيف آمنين، والناس يتخطَّفُون من حولهم، فكانوا إذا عرض لهم عارض قالوا : نحن أهل حرم الله، فلا يتعرض الناس لهم، وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء، لأنها بلاد حامية، والرحلة الأخرى في الصيف إلى « الشام »؛ لأنها بلاد باردة.
وعن ابن عباس، قال : يشتون ب « مكة » لدفئها، ويصيفون ب « الطائف » لهوائها، وهذه من أجل النعم أن يكون للقوم ناحية حر تدفع عنهم برد الشتاء، وناحية برد تدفع عنهم حر الصيف، فذكرهم الله تعالى هذه النعمة..
فصل في الشتاء والصيف
قال مالك : الشتاء نصف السُّنة، والصيف نصفها.
وقال قوم آخرون : الزمان أربعة أقسام : شتاء، وربيع، وصيف، وخريف.
وقيل : شتاء، وصيف، وقيظ، وخريف.
قال القرطبيُّ : والذي قال مالك أصح؛ لأن اللهَّ قسم الزمان قسمين، ولم يجعل لهما ثالثاً.