قوله :﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت ﴾، أمرهم تعالى بعبادته، وتوحيده لأجل إيلافهم رحلتين، وتقدم الكلام على الفاء، والبيت هو الكعبة، وفي تعريف نفسه بأنه تعالى رب هذا البيت وجهان :
أحدهما : أنها كانت لهم أوثان، فميز نفسه تعالى عنها.
الثاني : لأنهم شُرِّفوا بالبيت على سائر العرب، فذكر لهم ذلك تذكيراً لنعمته. وقيل : المعنى : أن يعبدوا رب هذا البيت، أي ليألفوا عبادة رب هذا البيت كما كانا يألفون الرحلتين.
﴿ الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ ﴾، أي : من أجل الجوع، و « آمنهم » من أجل الخوف، والتنكير للتعظيم أي : من جوع عظيم وخوف عظيم.
وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون في موضع الحال من مفعول « أطْعَمَهُمْ ».
وأخفى نون « من » في الخاء : نافع في رواية، وكذلك مع العين، نحو :« من على »، وهي لغة حكاها سيبويه.
فصل في مكانة قريش
قال ابنُ عبَّاسٍ : وذلك بدعوة إبراهيم - عليه السلام - حيث قال :﴿ رَبِّ اجعل هذا بَلَداً آمِناً وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات ﴾ [ البقرة : ١٢٦ ].
وقال ابن زيد : كانت العرب يغيرُ بعضهاعلى بعض ويسبي بعضها من بعض، فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم.
وقيل : شق عليهم السَّفر في الشتاء والصيف، فألقى الله - تعالى - في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم طعاماً في السَّفر، فخافت قريش منهم وظنُّوا أنهم خرجوا لحربهم، فخرجوا إليهم متحرزين، فإذا هم قد جلبوا لهم الطعام، وأعانوهم بالأقوات، فكان أهلُ « مكة » يخرجون إلى « جدة » بالإبل والحمر فيشترون الطعام على مسيرة ليلتين.
وقيل : إن قريشاً لما كذبوا النبي ﷺ دعا عليهم، فقال :« اللَّهُم اجْعلهَا عَليهِمْ سِنيْنَ كَسني يُوسُفَ » فاشتد القحط، فقالوا : يا محمد، ادعُ الله لنا فإنا مؤمنون، فدعا لهم رسول الله ﷺ فأخصبت « تبالة »، و « جرش » من بلاد « اليمن »، فحملوا الطعام إلى « مكة »، وأخصب أهلها
. وقال الضحاك وربيع وشريك وسفيان : وآمنهم من خوف الحبشة مع الفيل.
وقال علي رضي الله عنه : وآمنهم من أن تكون الخلافة إلا فيهم.
وقيل : كفاهم أخذ الإيلاف من الملوك.
روى الثعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :« مَنْ قَرَأ سُورَة ﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾ أعطِيَ من الأجْرِ حَسناتٍ بعَددِ مَنْ طَافَ بالكَعْبَةِ، واعْتكَفَ بِهَا » والله أعلم.