قوله تعالى :﴿ أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين ﴾، أي : بالجزاء، والحساب، وقرأ الكسائي :« أَرَيْتَ » بسقوط الهمزة. وتقدم تحقيقه في « الأنعام ».
وقال الزمخشري : وليس بالاختيار، لأن حذفها مختصّ بالمضارع، ولم يصح عن العرب :« رَيْتَ » ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أول الكلام، ونحوه :[ الخفيف ]
٥٣٢٢- صَاحِ، هَلْ رَيْتَ أو سَمِعْتَ بِراعٍ | رَدَّ فِي الضَّرعِ ما قَرَى في الحِلابِ |
أحدهما : أنها بصرية، فتتعدّى لواحد، وهو الموصول كأنه قال : أبصرت المكذب.
والثاني : أنها بمعنى « أخبرني » فتتعدّى لاثنين، فقدره الحوفي : أليس مستحقًّا عذاب الله.
وقدره الزمخشري : من هو، ويدل على ذلك قراءة عبد الله :« أرأيتك » بكاف الخطاب، والكاف لا تلحق البصرية.
قال القرطبي :« وفي الكلام حذف والمعنى : أرأيت الذي يكذب بالدين، أمصيب هو، أو مخطئ ».
فصل فيمن نزلت فيه السورة
نقل أبو صالحٍ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : نزلت في العاص بن وائل السهمي، وهو قول الكلبي ومقاتل.
وروى الضحاك عنه قال : نزلت في رجُل من المنافقين.
وقال السديُّ : نزلت في الوليد بن المغيرة.
[ وقيل في أبي جهل.
وقال الضحاك : في عمرو بن عائذ.
وقال ابن جريج : في أبي سفيان، وكان ينحر في كل أسبوع جزوراً، فطلب منه يتيم شيئاً فقرعه بعصاه، فأنزل الله هذه السورة ].
قال ابن الخطيب : وقيل : إنه عام في كل مكذب بيوم الدين.
قوله :﴿ فَذَلِكَ ﴾، فيه وجهان :
أحدهما : أن الفاء جواب شرط مقدر، أي : طلبت علمه فذلك.
والثاني : أنها عاطفة « فَذلِكَ » على « الَّذي يُكذِّبُ » إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة ويكون جواب « أرَأيْتَ » محذوفاً لدلالة ما بعده عليه كأنه قيل : أخبرني، وإما تقول فيمن يكذب بالجزاء، وفيمن يؤذي اليتيم، ولا يطعم المسكين أنِعْمَ ما يصنع؟.
فعلى الأول يكون اسم الإشارة في محل رفع بالابتداء، والخبر الموصول بعده، وإما على أنه خبر لمبتدأ مضمر، أي : فهو ذلك، والموصول نعته.
وعلى الثاني : أن يكون منصوباً بالنسق، على ما هو منصوب، إلا أن أبا حيان رد الثاني فقال : جعل « فَذلِكَ » في موضع نصب على المفعول، وهو تركيب غريب كقولك :« أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا » فالمتبادر إلى الذهن أن « فَذلِكَ » مرفوع بالابتداء، وعلى تقدير النصب يكون التقدير : أكرمت الذي يزورنا، فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا، فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكِّن تمكن ما هو فصيح، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى « الذي يزورنا »، بل الفصيح : أكرمت الذي يزورنا، فالذي يحسن إلينا، أو « أكرمت الذي يزورنا، فيحسن إلينا »، وأما قوله :« إما عطف ذات على ذات »، فلا يصح؛ لأن « فذلك » إشارة إلى « الَّذي يُكذِّبُ » فليسا بذاتين؛ لأن المشار إليه بقوله :« فَذلِكَ » هو واحد، وأما قوله :« ويكون جواب أرأيت محذوفاً » فلا يسمَّى جواباً، بل هو في موضع المفعول الثاني ل « أرأيت »، وأما تقديره « أنعمَ ما يصنع » فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على « نِعْمَ »، ولا « بِئْسَ »، لأنهما إنشاء، والاستفهام لا يدخل إلا علىلخبر، انتهى.