ورابعها : إظهار الصلاة، والصدقة، وتحسين الصلاة، لأجل رؤية الناس، وغير ذلك مما يطول ذكره.
فصل في الرياء
لا يكون الرجل مُرائياً بإظهار العمل المفروض، لأن حق الفرائض الإعلان وإشهارها لقوله ﷺ :« ولا غمةُ فِي فَرائضِ اللهِ »، ولأنها أعلام الإسلام وشرائع الدين، ويستحق تاركها الذم، والمَقْت، فوجب إماطة التُّهمة بإظهارها، وأما التطوع فحقه أن يخفى؛ لأنه مما لا يلام بتركه، ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصداً للاقتداء كان جميلاً، وإن قصد بإظهاره أن الأعين تنظر إليه، ويثنى عليه بالصَّلاح فهو الرياء.
قوله :﴿ وَيَمْنَعُونَ الماعون ﴾. في « المَاعُون » أوجه :
أحدها :« فاعول » من المعن، وهو الشيء القليل، يقال : ما له معنة، أي : قليل، قاله قطربٌ.
الثاني : أنه اسم مفعول من أعانه يعينه [ والأصل : مَعُون، وكان من حقّه على هذا أن يقال : معون ك « مقول » و « مصون » اسم مفعول من : قال وصان، ولكن قلبت الكلمة بأن قدمت عينها قبل فائها، فصار موعون، ثم قلبت الواو الأولى الفاً كقولهم تاب وصام في توبة وصومة، فوزنه الآن مفعول، وفيه شذوذ معان كقام، وأما مفعول فاسم مفعول الثلاثي.
الثاني : القلب وهو خلاف الأصل.
الثالث : قلب حرف العلة ألفاً وإن لم يتحرك، وقياسه على تابه وصامه بعيد لشذوذ المقيس عليه، وقد يجاب عن الثالث بأن الواو متحركة في الأصل قبل القلب، فإنه بزنة معوون الوجه ].
والثالث : أن أصله « معونة » والألف عوض عن الهاء.
ووزنه « مفعل » ك « ملوم »، ووزنه بعد الزيادة « مافعل ».
فصل في تفسير الماعون
اختلف المفسرون في « الماعون »، وأحسنها : أنه كان يستعان به، وينتفع به كالفأس والدلو، والمقدحة.
قال الأعشى :[ المتقارب ]
٥٣٢٣- بأجْودَ مِنهُ بِمَاعُونهِ | إذَا ما سَماؤهُمُ لَمْ تَغِمْ |
فإن قيل : هذه الآية تدلُّ على التهديد العظيم بالسَّهو عن الصَّلاة، والرياء، ومنع الماعُون، وذلك من باب الذنوب، ولا يصير المرء به منافقاً، فلم حكم الله بمثل هذا الوعيد على هذا الفعل؟ فالجواب من وجوه :
الأول : قال ابن الخطيب : المراد بالمصلين هنا المنافقون الذين يأتون بهذه الأفعال وعلى هذا التقدير : دلّت الآية على أن الكافر له مزيد عقوبة على فعل محظورات الشرعِ، وتركه واجبات الشَّرع، وذلك يدل على أنًّ الكفار مخاطبون بفروع الإسلام.
الثاني : قيل لعكرمة : من منع شيئاً من المتاع كان له الويلُ؟ فقال : لا، ولكن من جمع ثلاثتهن فله الويل، يعني : ترك الصلاةِ، وفعل الرياء، وترك الماعون.
روى الثعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :« مَنْ قَرَأ سُورَةَ ﴿ أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين ﴾ غَفرَ اللهُ لهُ إنْ كَان مُؤدِّياً للزَّكَاةِ » والله تعالى أعلم.