وقال السديُّ وابن زيد : إن قريشاً كانوا يقولون لمن مات له ذكور ولده : قد بتر فلان، فلما مات لرسول الله ﷺ القاسمُ ب « مكة »، وإبراهيم ب « المدينة »، قالوا : بتر محمد، أي : فليس من يقوم بأمره من بعده، فنزلت الآية.
وقيل : لما أوحى الله تعالى لرسوله ﷺ دعا قريشاً إلى الإيمان قالوا : انبتر منا محمد أي خالفنا وانقطع عنا، فأخبر الله تعالى رسوله ﷺ أنهم هم المبتورون قاله عكرمة وشهر بن حوشب.
فصل في المعاني التي احتوتها هذه السورة
قال أهل العلم : قد احتوت هذه السورة على كونها أقصر سورة في القرآن على معان بليغة، وأساليب بديعة، منها : دلالة استهلال السورة على أنه - تعالى - أعطاه كثيراً من كثير.
ومنها : إسناد الفعل للمتكلم المعظم نفسه، ومنها : إيراده بصيغة الماضي تحقيقاً لوقوعه ك « أتَى أمْرُ اللهِ ».
ومنها : تأكيد الجملة ب « إنَّ ».
ومنها : بناء الفعل على الاسم ليفيد بالإسناد مرتين، ومنها : الإتيان بصيغة تدل على مبالغة الكثرةِ، ومنها حذف الموصوف بالكوثر؛ لأن في حذفه من فرط الإبهام ما ليس في إثباته.
ومنها : تعريفه ب « أل » الجنسية الدالة على الاستغراق، ومنها : فاء التعقيب الدالة على التسبب كما تقدم في « الأنعام » سبب الشكر والعبادة.
ومنها : التعريض بمن كانت صلاته ونحره لغير الله تعالى.
ومنها : أن الأمر بالصلاة إشارة إلى الأعمال الدينية التي هي الصلاة وأفضلها كالأمر بالنَّحر.
ومنها : حذف متعلق « انْحَرْ » إذ التقدير : فصلِّ لربِّك وانحر له.
ومنها : مراعاة السجع، فإنه من صناعة البديع العاري عن التكلُّف.
ومنها : قوله تعالى :﴿ لِرَبِّكَ ﴾ في الإتيان بهذه الصفة دون سائر صفاته الحسنى دلالة على أنه المربِّي، والمصلح بنعمه، فلا يلتمس كلَّ خير إلا منه.
ومنها : الالتفات من ضمير المتكلم إلى الغائب في قوله تعالى :﴿ لِرَبِّكَ ﴾.
ومنها : جعل الأمر بترك الاحتمال للاستئناف وجعله خاتمة للإعراض عن الشانئ ولم يسمه ليشمل كلَّ من اتصف - والعياذ بالله - بهذه الصفة القبيحة وإن كان المراد به شخصاً معيناً لَعَيَّنَه الله تعالى.
ومنها : التنبيه بذكر هذه الصفة القبيحة، على أنه لم يتصف إلا بمجرد قيام الصفةِ به، من غير أن يؤثر في من شنأه شيئاً - ألبتة - لأن من شنأ شخصاً، قد يؤثر فيه شنؤه.
ومنها تأكيد الجملة ب « إنَّ » المؤذنة بتأكيد الخبر، ولذلك يتلقى بها القسم، وتقدير القسم يصلح هاهنا.
ومنها : الإتيان بضمير الفصل المؤذن بالاختصاص والتأكيد إن جعلنا « هُوَ » فصلاً، وإن جعلناه مبتدأ فكذلك يفيد التأكيد إذ يصير الإسناد مرتين.
ومنها : تعريف الأبتر ب « أل » المؤذنة بالخصوصية بهذه الصفة، كأنه قيل : الكامل في هذه الصفة.