﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون ﴾ [ الزمر : ٦٤ ]، فغدا رسول الله ﷺ إلى المسلمين في الحرم، وفيه الملأ من قريش، فقام ﷺ فقرأها عليهم، حتى فرغ من السورة، فأيسوا منه عند ذلك.
وروى أبو صالح عن ابن عباس - رضي الله عنهم - أنهم قالوا لرسول الله ﷺ : لو استلمت بعض هذه الآلهة لصدقناك، فنزل جبريل - عليه السلام - بهذه السورة فيئسوا وآذوه، وآذوا أصحابه.
فإن قيل : لم وصفهم في هذه السورة بالكافرين وفي السورة الأخرى بالجاهلين كما تقدم؟.
فالجوابُ : لأن هذه السورة بتمامها نزلت فيهم، فتكون المبالغة فيها أشد فبولغ فيها بالوصف الأشنع، وهو الكفر، لأنه مذموم مطلقاً، والجهل كالشجرة، والكفر كالثمرة فقد يذم عند التقييد، كقوله ﷺ :« عِلْمُ الإنْسَانِ عِلمٌ لا يَنْفَعُ، وجَهْلٌ لا يَضُرُّ ».
فإن قيل : قال في سورة التحريم :﴿ ياأيها الذين كَفَرُواْ ﴾ [ الآية : ٧ ]، بغير « قُلْ »، وهنا - جلَّ وعز - ذكر « قُلْ » وذكره باسم الفاعل.
فالجواب : أنه في سورة « التحريم » إنما يقال لهم يوم القيامة، وثمَّ لا يكون رسولاً إليهم، فإذا زال الواسطة، ويكونون في ذلك الوقت مطيعين، لا كافرين، فلذلك ذكره بلفظ الماضي.
وأما هاهنا فكانوا موصوفين بالكفر، وكان رسول الله ﷺ رسولاً إليهم، فقال تعالى :﴿ قُلْ ياأيها الكافرون ﴾.
فأن قيل : هذا خطاب مع الكل، وكان فيهم من يعبد الله تعالى، كاليهود، والنصارى، فلا يجوز أن يقال لهم :﴿ لا أعبدُ ما تَعْبُدُونَ ﴾، ولا يجوز أيضاً أن يكون قوله :﴿ وَلاَ أنْتُمَ عَابِدُونَ ما أعْبدُ ﴾ خطاباً مع الكل؛ لأن في الكفار من آمن، فعبد الله.
فالجواب : أن هذا الخطاب مشافهة مع أقوام مخصوصين، وهم الذين قالوا : نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة وأيضاً لو حملنا الخطاب على العموم دخله التخصيص، وإذا حملناه على خطاب المشافهةِ لم يلزم ذلك.

فصل


قال القرطبي : الألف واللام ترجع إلى معنى المعهود، وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة ل « أي »، لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كُفرهِ، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم؛ ونحوه عن الماوردي : نزلت جواباً وعتاباً وعنى بالكافرين قوماً معينين، لا جميع الكافرين، لأن منهم من آمن، فعبد الله، ومنهم من مات، أو قتل على كفره، وهم المخاطبون بهذا القول، وهم المذكورون.


الصفحة التالية
Icon