وقيل : الاستغفار نفسه يجب إتيانه لا للمغفرة بل تعبداً.
وقيل : واستغفر أي : استغفر لأمتك إنه كان تواباً على المسبحين والمستغفرين، يتوب عليهم ويرحمهم، ويقبل توبتهم، وإذا كان عليه السلام وهو معصوم يؤمر بالاستغفار فماذا يظنّ بغيره ].

فصل في تفسير الآية


قد مرَّ تفسير الحمد، وأما تفسير قوله تعالى :﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ ففيه وجوه :
الأول : قال الزمخشري : قل : سبحان الله، والحمد لله، تعجباً مما أراك الله من عجيب إنعامه، أي : اجمع بينهما، كقولك : الماءُ باللبن، أي : اجمع بينهما خلطاً، وشرباً.
الثاني : أنَّ التسبيح داخل في الحمد؛ لأنك إذا حمدت الله تعالى، فقد سبَّحته بواسطته، لأن الثناء عليه، والشكر له يتضمن تنزيهه عن النقائص، ولذلك جعل الحمد مفتاح القرآن، فمعنى :﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾، أي : سبحه بواسطته، أن تحمده، وأن تسبحه بهذا الطريق.
الثالث : أن يكون حالاً، أي : سبحه مقدراً أن تحمد بعد التسبيح، كأنك تقول : لا يتأتى لك الجمع بينهما لفظاً، فاجمعهما نية كما تنوي الصلاة يوم النحر مقدراً أنك تنحر بعدها، فيجتمع لك الثواب في تلك الحالة.
الرابع : أن هذه الباء كهي في قولك : فعلت هذه بفضل الله، أي : بحمده، أي : أنه الذي هداك لرشدك لا تجد غيره، كقوله ﷺ :« الحَمدُ للهِ على الحَمْدِ ».
الخامس : قال السديُّ :« بحمدِ ربِّك » أي : بأمر ربك.
السادس : أن تكون الباء زائدة، والتقدير : سبح حمد ربك، أي : طهر محامد ربك عن الرياء والسمعة، أو اختر له أطهر المحامد، وأذكاها وأحسنها أو ائْتِ بالتسبيح والتنزيه بدلاً عن الحمد.
السابع : فيه إشارة إلى أن التسبيح والحمد لا يتأخر أحدهما عن الآخر، ولا يمكن أن يؤتى بهما معاً، ونظيره : من ثبت له حق الشفعة، وحق الرد بالعيب وجب أن يقول : اخترت الشفعة بردي ذلك المبيع، كذا هاهنا، قال :﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ ليقع معاً، فيصير مسبحاً حامداً في وقت واحد معاً.
[ فإن قيل : التوبة مقدمة على جميع الطَّاعات، ثم الحمد مقدم على التسبيح؛ لأن الحمد على النعم، والنعم سابقة أيضاً، والاستغفار سابق، ثم التسبيح؟ فالجواب لعله بدأ بالأشرف تنبيهاً على أن النزول من الخالق إلى الخلق أشرف من الصعود من الخلق إلى الخالق، أو نبّه بذلك على أن التسبيح والحمد الصادرين من العبد، إذا قابلا جلال الحقّ وعزته استوجبا الاستغفار، ولأن التسبيح والحمد إشارة إلى تعظيم أمر الله، والاستغفار إشارة إلى الشفقة على خلق الله، فالأول كالصلاة، والثاني كالزكاة فكما أن الصلاة مقدمة على الزكاة، فكذا هاهنا ].
فإن قيل : قوله تعالى :﴿ كَانَ تَوَّابَا ﴾ بدل من الماضي، وحاجتنا إلى قبوله في المستقبل وأيضاً : هلا قال سبحانه :﴿ غَفَّاراً ﴾ [ نوح : ١٠ ]، كما قال تعالى في سورة نوح ﷺ.
وأيضاً قال تعالى :﴿ نَصْرُ الله ﴾، وقال :﴿ فِي دِينِ الله ﴾ وقال :﴿ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ ولم يقل : بحمد الله.


الصفحة التالية
Icon