قال طارق بن عبد الله المحاربي : إني بسوق ذي المجاز، إذ أنا بإنسان يقول :« يا أيُّها النَّاسُ، قولوا : لا إلهَ إلاَّ اللهَ تُفلِحُوا » وإذا رجل خلفه يرميه، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه، ويقول : يا أيها الناس، إنه كذاب ساحر، فلا تصدقوه، فقلت : من هذا؟.
فقالوا : محمد، يزعم أنه نبيّ، وهو عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب.
وروى عطاء عن ابن عباس قال : قال أبو لهب : سحركم محمد، إن أحدنا ليأكلُ الجذعة، ويشرب العُسّ من اللبن، فلا يشبع، وإن محمداً قد أشبعكم من فخذِ شاةٍ، وأرواكم من عُسِّ لبن.
قوله :﴿ مَآ أغنى ﴾. يجوز في « مَا » النَّفي، والاستفهام، فعلى الاستفهام يكون منصوب المحل بما بعدها، التقدير : أي شيء أغنى المال، وقدم لكونه له صدر الكلام.
وقوله :﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ : يجوز في « مَا » هذه أن تكون بمعنى « الَّذي »، والعائد محذوف، وأن تكون مصدرية، أي : وكسبه، وأن تكون استفهامية : بمعنى وأي شيء كسب؛ أي : لم يكسب شيئاً، قاله أبو حيان، فجعل الاستفهام بمعنى النفي، فعل هذا يجوز أن تكون نافية، ويكون المعنى على ما ذكر، وهو غير ظاهر.
وقرأ ابن مسعود والأعمش :« وما اكتسبَ ».

فصل في معنى الآية


المعنى : ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من المال، ولا ما كسب من الجاه. وقال مجاهد : وما كسب من مال، وولد الرجل من كسبه.
وقال أبو الطفيل : جاء بنو أبي لهب يختصمون عند ابن عباس - رضي الله عنه - فاقتتلوا، فقام يحجز بينهم، فدفعه بعضهم فوقع على الفراشِ، فغضب ابن عباس، وقال : أخرجوا عنِّي الكسب الخبيثَ، يعني ولد أبي لهب.
وقال ﷺ :« إنَّ أطْيبَ ما أكَلَ الرجلُ من كسْبهِ ».
وقال ابن عباس : لما أنذر رسول الله ﷺ عشيرته بالنَّار، قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقَّا فإني أفدي نفسي بمالي وولدي، فنزل :﴿ مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾.
قال الضحاك : ما أغنى عنه ماله ما ينفعه ماله، وعمله الخبيث : يعني كيده، وعداوة رسول الله.
قوله :﴿ سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ﴾.
قرأ العامة :« سَيَصْلَى » بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي : يصلى هو بنفسه.
وقرأ أبو حيوة، وابن مقسم، وعياش في اختياره؛ قال القرطبي : والأشهب العقيلي، وأبو سمال العدوي، ومحمد بن السميفع، « سَيُصلَّى » بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ومعناه سيصليه الله.
وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو رجاء، والأعمش، ورواها محبوب عن إسماعيل عن ابن كثير عن أبيّ - رضي الله عنه -، وحسين عن أبي بكر عن عاصمٍ : بضم الياء.


الصفحة التالية
Icon