قال القرطبي :[ « لأنه ليس شيء إلا سيموت ]، وليس شيء يموت إلا يورث ».
قيل : الصمد : الدائمُ الباقي الذي لم يزل، ولا يزال.
وقال أبو هريرة : إنه المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد.
وقال السديُّ : إنه المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب.
[ وقال الحسن بن الفضل : إنه الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وقال مقاتل : إنه الكامل الذي لا عيب فيه ].
قال القرطبيُّ : والصحيح من هذه الأقوال ما شهد له الاشتقاق وهو القول الأول، ذكره الخطابي.

فصل في لفظ أحد


قال ابن الخطيب : ونكر لفظ أحد، لأن الذي يعرفه الخلق من الموجودات محسوس، وكل محسوس منقسم، فأما ما لا ينقسم فلا يعرف، وعرَّف الصمد؛ لأنه الذي يقصد إليه في الحوائج، وذلك معلوم عند الخلق، وقدم ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾ وإن كان العرف سبق؛ لأنه الأهم، وقوله تعالى :﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ كالحجة على أنه لم يلدْ، وجاء هنا ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾، وفي سورة « الإسراء » :﴿ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾ [ الإسراء : ١١١ ]، لأن من النصارى من يقول : عيسى ولدُ الله حقيقة، ومنهم من يقول : إن الله اتخذه ولداً تشريفاً، فنفى الأمرين.

فصل في الرد على من أسقط « قل هو »


قال القرطبي : وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه، وجعل النار مقامه ومثواه، وقرأ « الله الواحد الصمد » والناس يستمعون، فأسقط « قل هو » وزعم أنه ليس من القرآن، وغير لفظ « أحد »، وادَّعى أن هذا الصواب، والذي عليه الناس هو الباطلُ، فأبطل معنى الآية، لأن أهل التفسير قالوا : نزلت الآية جواباً لأهل الشركِ، لما قالوا لرسول الله ﷺ : صِفْ لَنَا ربَّك أمِنْ ذهبٍ هُو أم من نُحاس أم من [ صفر ] ؟.
فقال الله تعالى رداً عليهم :﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ﴾، ففي « هُوَ » دلالة على موضع الرد، ومكان الجواب، فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله - تعالى - والتكذيب لرسوله ﷺ.
وروى الترمذي عن أبيِّ بن كعب : أن المشركين قالوا لرسول الله ﷺ :« انسب لنا ربك » فأنزل الله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾، والصمد : الذي لم يلد، ولم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تعالى لا يموت، ولا يورث.


الصفحة التالية
Icon