وقال ابن الخطيب : لمَّا علم الله تعالى أعذار هؤلاء، يعني المريض، والمسافر، والمجاهد، فلو لم يناموا بالليل لتوالت عليهم أسباب المشقة، وهذا السبب ما كان موجوداً في حق النبي ﷺ كما قال تعالى :﴿ إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً ﴾ [ المزمل : ٧ ] فلا جرم لم ينسخ وجوب التهجد في حقه ﷺ.
و « أن » في قوله :« أنْ سيَكونُ » مخففة من الثقيلة، أي : علم أنه سيكون.
قوله :« وآخَرُونَ » عطف على « مَرْضَى »، أي : علم أن سيوجد منكم قوم مرضى، وقوم آخرون مسافرون، ف « يَضْربُونَ » نعت ل « آخَرُونَ » وكذلك « يَبْتَغُونَ »، ويجوز أن يكون « يبتغون » حالاً من فاعل « يَضْرِبُونَ »، و « آخَرُونَ » عطف على « آخَرُونَ » و « يُقَاتلُونَ » صفته.

فصل في بيان أن الكسب الحلال كالجهاد


سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين، والملتمسين للمال الحلال للنفقة على نفسه، وعياله، والإحسان، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال بمنزلة الجهاد؛ لأنّ جمعه من الجهاد في سبيل الله.
قال - ﷺ - :« » مَا مِنْ جَالبٍ يَجلبُ طَعاماً مِنْ بَلدٍ إلى بَلدٍ، فيَبيعُهُ بِسْعرٍ يَومِهِ إلاَّ كانتْ مَنزِلتُهُ عنْدَ اللَّهِ تعالى مَنْزلةَ الشُّهداءِ « ثُمَّ قَرَأ رسُولُ الله ﷺ :﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله ﴾ ».
وقال ابن مسعود : أيما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً، فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء، وقرأ :﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله ﴾.
وقال ابن عمر : ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحب إليَّ من الموت بين شعبتي رحْلي، أبتغي من فضل الله، ضارباً في الأرض.
وقال طاووس : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله.
قوله :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾، أي : صلُّوا ما أمكن فأوجب الله تعالى من صلاة الليل، ما تيسَّر، ثم نسخ ذلك بإيجاب الصلوات الخمس على ما تقدم.
وقال عبد الله بن عمرو :« قال لي رسول الله ﷺ :» يَا عَبْدَ اللَّه، لا تكُنْ مِثْلَ فُلانِ كَانَ يقُومُ اللَّيْلَ، فتركَ قِيامَ اللَّيْلِ «


الصفحة التالية
Icon