وثالثها : أنه ﷺ كان نائماً، متدثراً بثيابه، فجاءه جبريل - عليه السلام - وأيقظه - ﷺ -، وقال :﴿ ياأيها المدثر قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ كأنه قال : اترك التدثر بالثياب، واشتغل بهذا المنصب الذي نصبك الله تعالى له.
وإن قلنا : ليس المراد منه التدثر بالثياب ففيه وجوه :
الأول : قال عكرمة : يا أيها المدثر بالنبوة، والرسالة انْقُلْها، من قولهم : ألبسه اللَّهُ لباس التقوى وزيَّنَهُ برداء العلم.
قال ابن العربي :« وهذا مجاز بعيد، لأنه لم يكن تنبأ بعد، وإن قلنا : إنها أول القرآن لم يكن نبياً بعد إلا إن قلنا : إنها ثاني ما نزل ».
الثاني : أن المدثر بالثوب يكون كالمتخفي فيه، فإنه ﷺ كان في جبل حراء كالمتخفي من النَّاس، فكأنه قال : يا أيها المدثِّر بدثار الاختفاء قم بهذا الأبر واخرج من زاوية الخمول، واشتغل بإنذار الخلق، والدعوة إلى معرفة الحقِّ.
الثالث : أنه تعالى جعله رحمة للعالمين، فكأنه قيل له : يا أيها المدثِّر بأثواب العلم العظيم، والخلق الكريم، والرحمة الكاملة :« قُمْ فأنْذِرْ » عذاب ربّك.

فصل في لطف الخطاب في الآية


قوله تعالى :﴿ ياأيها المدثر ﴾ ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب إذ ناداه بحاله وعبر عنه بصفته، ولم يقل : يا محمدُ، كما تقدم في المزمل.

فصل في معنى « فأنذر »


ومعنى قوله تعالى :﴿ فَأَنذِرْ ﴾، أي : خوِّف أهل مكة، وحذرهم العذاب إن لم يسلموا.
وقيل : الإنذار هنا : إعلامهم بنوته - عليه السلام - لأنها مقدمة الرسالة.
وقيل : هو دعاؤهم إلى التوحيد لأنه المقصود.
وقال الفراء : قم فصلِّ ومر بالصلاة.
قوله :﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾، قدم المفعول، وكذا ما بعد، إيذاناً بالاختصاص عند من يرى ذلك، أو للاهتمام به.


الصفحة التالية
Icon