وإذا كان الرجل خبيث العمل، قالوا : إن فلاناً خبيث الثيابِ، وإذ كان الرجل حسن العمل، قالوا : إنَّ فلاناً طاهر الثياب، ومنه قول النبي ﷺ :« يَحْشرُ المَرءُ فِي ثَوبَيْهِ الَّذي مَاتَ فِيْهِمَا »، يعني : عمله الصالح والطالح، ذكره الماوردي.
ومن قال المراد به القلب، قلبك فطهر، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير رضي الله عنهما؛ ومنه قول امرىء القيس :[ الطويل ]

٤٩٤٦ -................... فَسُلِّي ثِيَابِي مِن ثِيابكِ تَنْسُلِ
أي : قلبي من قلبك.
قال الماورديُّ : ولهم في تأويل الآية وجهان :
أحدهما : المعنى : وقلبك فطهر من الإثم والمعاصي قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : وقلبك فطهر من القذر، أي : لا تقذر فتكون دنس الثياب وهو ما يروى عن ابن عباس أيضاً، واستشهدوا بقوله غيلان بن سلمة الثقفي :[ الطويل ]
٤٩٤٧ - فَإنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لا ثَوْبَ غَادِرٍ لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرةٍ أتقنَّعُ
ومن قال : المراد به النفس، قال : معناه ونفسك فطهر، أي : من الذنوب، والعرب تكني عن النفس بالثياب. قاله ابن عباس - رضي الله عنه -؛ ومنه قول عنترة :[ الكامل ]
٤٩٤٨ - فَشَكَكْتُ بالرُّمْحِ الطَّويلِ ثِيابَهُ لَيْسَ الكرِيمُ على القَنَا بِمُحَرَّمِ
وقول امرىء القيس المتقدم. ومن قال : بأنه الجسم قال : المعنى وجسمك فطهر من المعاصي الظاهرة، ومنه قول ليلى تصف إبلاً :[ الطويل ]
٤٩٤٩ - رَموْهَا بأثْوابٍ خِفافٍ فلا تَرَى لَهَا شَبَهاً إلاَّ النَّعامَ المُنفَّرَا
أي : ركبوها فرموها بأنفسهم.
ومن قال : المراد به الأهل، قال : معناه : وأهلك طهرهم من الخطايا بالموعظة والتأديب، والعرب تسمي الأهل ثوباً وإزاراً ولباساً، قال تعالى :﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ].
قال الماورديُّ : ولهم في تأويل الآية وجهان :
الأول : معناه : ونساءك فطهر باختيار المؤمنات العفائف.
الثاني : الاستمتاع بهن في القبل دون الدبر في الطهر إلا في الحيض حكاه ابن بحر.
قال ابن الخطيب :« وحمل الآية على هذا التأويل يعسر لأنه على هذا الوجه لا يحسن اتصال الآية بما قبلها ».
ومن قال المراد به الخلق قال معناه : وخلقك فحسِّنْ قاله الحسن والقرظي؛ لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه؛ قال الشاعر :[ الطويل ]
٤٩٥٠ - فَلاَ أبَ وابْناً مِثْلَ مَرْوانَ وابْنِهِ إذَا هُوَ بالمَجْدِ ارتَدَى وتَأزَّرَا
والسبب في حسن هذه الكناية وجهان :
الأول : أن الثوب كالشيء الملازم للإنسان فلهذا جعلوا الأثواب كناية عن الإنسان، فيقال : المجد في ثوبه والعفة في إزاره.
الثاني : أنه من طهر باطنه غالباً طهر ظاهره، ومن قال : المراد به الدين فمعناه : ودينك فطهر.
جاء في الصحيح : أنه ﷺ قال :« ورأيتُ النَّاس وعَلَيْهِمْ ثِيابٌ مِنْهَا ما يَبلغُ الثُّدِيَّ، ومِنْهَا دونَ ذلِكَ، ورَأيْتُ عُمر بن الخطَّاب، وعليْهِ إزارٌ يُجُرُّهُ، قالوا : يا رسُولَ اللَّهِ فَمَا أوَّلتَ ذلِكَ؟ قال : الدِّينُ ».


الصفحة التالية
Icon