وروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قوله تعالى :﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ قال : معناه لا تلبس ثيابك على عذرة؛ قال ابن أبي كبشة :[ الطويل ]

٤٩٥١ - ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهارَى نَقيَّةٌ وأوْجُهُهمْ عِنْدَ المُشاهدِ غُرَّانُ
يعني بطهارة ثيابهم : سلامتهم عن الدناءات ويعني بعزة وجوههم : تنزيههم عن المحرمات، أو جمالهم في الخلقة، أو كليهما. قاله ابن العربي.
وقال سفيانُ بن عيينة : لا تلبس ثيابك على كذب ولا جور ولا غدر ولا إثم، قاله عكرمة.
ومن قال : إن المراد به الثياب الملبوسة، فلهم أربعة أوجهٍ :
الأول : وثيابك فأنق.
الثاني : وثيابك فشمِّر، أي قصِّر، فإن تقصير الثياب أبعد من النجاسة فإذا جُرَّت على الأرض لم يؤمن أن يصيبها نجاسة، قاله الزجاج وطاووس.
الثالث : وثيابك فطهر من النجاسة بالماء، قاله محمد بن سيرين وابن زيد والفقهاء.
الرابع : لا تلبس ثيابك إلا من كسبِ الحلال ليكون مطهرة من الحرام.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - لا يكون ثيابك التي تلبس من ملبس غير طاهر.
قال ابن العربي : وليس بممتنع أن تحمل الآية على عمومها، من أن المراد بها الحقيقة، والمجاز، وإذا حملناها على الثياب الطاهرةِ المعلومة، فهي تتناول معنيين :
أحدهما : تقصير الأذيال، فإنها إذا أرسلت تدنست، ولهذا قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لغلام من الأنصار، وقد رأى ذيله مسترخياً : ارفع إزارك، فإنه أتْقَى، وأبْقَى، وأنقى.
وقال ﷺ :« إزْرَةُ المُؤمِن إلى أنْصَافِ سَاقيْهِ، لا جُناحَ عليْهِ فِيْمَا بَينهُ وبيْنَ الكعْبَيْنِ ومَا كَانَ أسْفل مِنْ ذلِكَ ففِي النَّارِ » فقد جعل النبي ﷺ الغاية في لباس الإزار الكعب، وتوعد ما تحته بالنار، فما بال رجال يرسلون أيذالهم، ويطيلون ثيابهم، ثم يتكلفون رفعها بأيديهم وهذه حالة الكبر، وقال ﷺ :« » لا يَنْظرُ اللَّهُ تعالى إلى مَنْ جَرَّ ثَوبَهُ خَيلاء «، وفي رواية :» منْ جرَّ إزارهُ خُيَلاء لَمْ ينْظُرِ اللَّهُ إليْهِ يَوْمَ القِيامةِ « قال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا رسول الله إني أجد شِقّ إزاري يسترخي إلا أني أتعاهد ذلك منه، فقال رسول الله ﷺ :» لَسْتَ ممَّنْ يَصْنعهُ خيلاء « ».
والمعنى الثاني : غسلها بالماء من النجاسة، وهو الظاهر.
قال المهدوي : واستدل به بعض العلماء على وجوب طهارة الثوب، وليس ذلك يفرض عند مالك وأهل المدينة، وكذلك طهارة البدن، للإجماع على جواز الصلاة بالاستجمار غير غسل.
قال ابن الخطيب : إذا حملنا لفظ التطهير على حقيقته، فنقول : المراد منه أنه ﷺ أمر بتطهير ثيابه من الأنجاس والأقذار، وعلى هذا التقدير ففي الآية ثلاثة احتمالاتٍ :
الأول : قال الشافعي - رضي الله عنه - : المقصود من الآية الإعلام بأن الصلاة لا تجوز إلا في ثياب طاهرة من الأنجاس.


الصفحة التالية
Icon