وثانيها : قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان المشركون لا يصونون ثيابهم عن النجاسات، فأمره الله تعالى بأن يصون ثيابه عن النجاسات.
وثالثها : روي أنهم ألقوا على رسول الله ﷺ سَلَى شاةٍ، فشق عليه فرجع إلى بيته حَزيناً وتدثر في ثيابه، فقال :﴿ ياأيها المدثر قُمْ فَأَنذِرْ ﴾ ولا تمنعك تلك السفاهة عن الإنذار ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ على أن لا ينتقم منهم ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ عن تلك النجاسات والقاذورات.
قوله :﴿ والرجز ﴾. قرأ حفص ومجاهد وعكرمة وابن محيصن : بضم الراء، والباقون : بكسرها.
فقيل : لغتان بمعنى، وعن أبي عبيدة : الضم أقيس اللغتين، وأكثرهما.
وقال مجاهدٌ : هو بالضم اسم صنم، ويعزى للحسن البصري أيضاً، وبالكسر ويذكر : اسم للعذاب، وعلى تقدير كونه العذاب، فلا بد من حذف مضاف، أي : اهجر أسباب العذاب المؤدية إليه، أقام السبب مقام المسبب، وهو مجاز شائع بليغ.
وقال السديُّ :« الرَّجْز »، بنصب الراء : الوعيد.
وقال مجاهد وعكرمة : المراد بالرجز : الأوثان، لقوله تعالى :﴿ فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان ﴾ [ الحج : ١٠ ]، وقال ابن عباس أيضاً : والمأثم فاهجر، أي فاترك، وكذلك روى مغيرة عن إبراهيم النخعي، قال : الرجز : الإثم.
وقال قتادة : الرجز إساف، ونائلة.
وأصل « الرُّجْز » : العذابُ، قال تعالى :﴿ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ﴾ [ الأعراف : ١٣٤ ].
وقال تعالى :﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السمآء ﴾ [ الأعراف : ١٦٣ ].
قوله :﴿ وَلاَ تَمْنُن ﴾، العامة : على فك الإدغام والحسن وأبو السمال والأشهب العقيلي : بالإدغام.
وقد تقدم أن المجزوم، والموقوف من هذا النوع يجوز فيهما الوجهان، وتقدم تحقيقه في « المائدة »، عند قوله تعالى :﴿ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ﴾ [ المائدة : ٥٤ ].
والمشهور أنه من المنّ، وهو الاعتداد على المعطى بما أعطاه، وقيل : معناه « ولا تضعف » من قولهم : حبل متين، أي : ضعيف.
قوله :﴿ تَسْتَكْثِرُ ﴾، العامة على رفعه، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه في موضع الحال، أي : لا تمنن مستكثراً ما أعطيت.
وقيل : معناه لا تأخذ أكثر مما أعطيت.
الثاني : على حذف « أن » يعني أن الأصل ولا تمنن أن تستكثر، فلما حذفت « أن » ارتفع الفعل، كقوله :[ الطويل ]
٤٩٥٢ - ألاَ أيُّهَذَا الزَّاجِري أحْضُرُ الوغَى | ....................... |
ولم يبين ما محل « أن » وما في خبرها. وفيه وجهان :
أظهرهما - وهو الذي يريده - هو أنها إما في محل نصب، أو جر على الخلاف فيها؛ حذف حرف الجر وهو هنا لام العلة، تقديره : ولا تمنن لأن تستكثر.
والثاني : أنها في محل نصب فقط مفعولاً بها، أي : لا تضعف أن تستكثر من الخير، قاله مكي.