وقيل :« كَلاَّ » بمعنى « حقاً »، ويبتدىء بقوله « إنَّهُ » يعني الوليد ﴿ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً ﴾، أي : معانداً للنبي ﷺ وما جاء به.
قال الزمخشريُّ :﴿ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا ﴾ استئناف جواب لسائل سأل : لم لا يزداد مالاً، وما باله ردع عن طبعه؟.
فأجيب بقوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً ﴾، انتهى.
فيكون كقوله ﷺ في الهرة :« إنَّها ليْسَتْ بنجسٍ، إنَّها مِنَ الطوَّافِيْنَ عَليْكُمْ ».
والعنيد : المعاند.
يقال : عاند فهو عنيد وعانِد، والمعاند : البعير الذي يجور عن الطريق ويعدل عن القصد، والجمع : عند مثل :« راكع وركع »، قاله أبو عبيدة؛ وأنشد قول الحازميِّ :[ الرجز ]

٤٩٥٩ - إذَا رَكبتُ فاجْعَلانِي وَسَطا إنَّي كَبِيرٌ لا أطيقُ العُنَّدا
وقال أبو صالح :« عنيداً » معناه : مباعداً؛ قال الشاعر :[ الطويل ]
٤٩٦٠ - أرَانَا على حَالٍ تُفَرِّقُ بَيْنَنا نَوّى غُرْبَةٌ إنَّ الفِراقَ عَنُودُ
وقال قتادة : جاحداً.
وقال مقاتل : معرضاً.
وقيل : إنه المجاهر بعداوته.
وعن مجاهد : أنه المجانب للحق.
قال الجوهري : ورجل عنود : إذا كان لا يخالط الناس، والعنيد من التجبر، وعرق عاند : إذا لم يرقأ دمه، وجمع العنيد عُنُد مثل رغيف ورغف، والعنود من الإبل : الذي لا يخالط الإبل إنما هو في ناحية، والعنيد في معنى المعاند كالجليس والأكيل والعشير.

فصل في بيان فيما كانت المعاندة


في الآية إشارة إلى أنه كان يعاند في أمور كثيرة :
منها أنه كان يعاند في دلائل التوحيد، والعدل، والقدرة، وصحة النبوة وصحة البعث.
ومنها : أن كفره كان عناداً لأنه كان يعرف هذه الأشياء بقلبه وينكرها بلسانه. وكفر المعاند أفحش أنواع الكفر.
ومنها : أن قوله « كان » يدل على أن هذه حرفته من قديم الزمان.
ومنها : أن هذه المعاندة، كانت مختصة منه بآيات الله تعالى.
قوله :﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾، أي : سأكلفه، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : سألجئه، والإرهاق في كلام العرب : أن يحمل الإنسان الشيء.
والصعود : جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً، ثم يهوي به كذلك فيه أبداً. رواه الترمذي.
وفي رواية : صخرة في جهنم، إذا وضعوا أيديهم عليها ذابت، فإذا رفعوها عادت.
وقيل : هذا مثل لشدة العذاب الشاق الذي لا يطاق، كقوله : عقبة صعود وكؤود، أي : شاقة المصعدِ.
ثم إنه تعالى حكى كيفية عناده، وهو قوله تعالى :
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾ : يجوز أن يكون استئناف تعليل لقوله تعالى :﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾، ويجوز أن يكون بدلاً من ﴿ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً ﴾.
يقال : فكر في الأمر، وتفكر إذا نظر فيه وتدبر، ثم لما تفكر رتب في قلبه كلاماً وهيأه، وهو المراد من قوله « وقَدَّرَ ».
والعرب تقول : قدرت الشيء إذا هيأته.

فصل في معنى الآية


معنى الآية : أن الوليد فكر في شأن النبي ﷺ والقرآن لما نزل :


الصفحة التالية
Icon