قلت : الدلالة على أن الكرة الثانية أبلغ من الأولى؛ ونحوه قوله :[ الطويل ]
٤٩٦٣ - ألاَ يَا اسْلمِي ثُمَّ اسْلمِي ثُمَّتَ اسْلَمِي | ..................... |
قلت : للدلالة على أنه تأنَّى في التأمل، والتمهل، وكأن بين الأفعال المتناسقة تراخٍ، وتباعد، فإن قلت : فلم قال :« فَقالَ » - بالفاء - بعد عطف ما قبله ب « ثُمَّ »؟.
قلت : لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث، فإن قلت : فلم لم يتوسط حرف العطف بين الجملتين؟.
قلت : لأن الأخرى جرت من الأولى مجرى التأكيد من المؤكد.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ ﴾، أي : ولى وأعرض ذاهباً عن سائر الناس إلى أهله.
﴿ واستكبر ﴾ حين دعي إلى الإيمان، أي : تعظم.
﴿ إن هذا ﴾ أي : ما هذا الذي أتى به محمد ﷺ ﴿ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾، أي : تأثره عن غيره.
والسحر : الخديعة.
وقيل : السحر إظهار الباطل في صورة الحق.
والأثر : مصدر قولك : أثرت الحديث آثره، إذا ذكرته عن غيرك؛ ومنه قيل : حديث مأثور، أي : ينقله خلف عن سلف؛ قال الأعشى :[ السريع ]
٤٩٦٤ - إنَّ الَّذي فيه تَمَاريْتُمَا | بُيِّنَ للسَّامِع والآثِرِ |
الأول : أنه من قولهم : أثرت الحديث آثره، أَثراً، إذا حدثت به عن قوم في آثارهم، أي : بعدما ماتوا، هذا هو الأصل، ثم صار بمعنى الرواية عما كان.
والثاني : يؤثر على جميع السحر، وهذا يكون من الإيثارِ.
وقال أبو سعيد الضرير : يؤثر، أي : يُورَثُ.
قوله تعالى :﴿ إِنْ هاذآ إِلاَّ قَوْلُ البشر ﴾، أي : هذا إلا كلام المخلوقين تختدع به القلوب كما يخدع بالسحر.
قال ابن الخطيب : ولو كان الأمر كذلك لتمكنوا من معارضته إذا طريقتهم في معرفة اللغة متقاربة.
قال السديُّ : يعني أنه من قول سيَّار عبد لبني الحضرمي، كان يجالس النبي ﷺ فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك.
وقيل : إنه أراد أنه تلقنه ممن ادعى النبوة قبله، فنسج على منوالهم.
قال ابن الخطيب وهذا الكلام يدل على أن الوليد كان يقولُ هذا الكلام عناداً، لما روي في الحديث المتقدم :« أنه لما سمع من رسول الله ﷺ » حم « ثم خرج من عند النبي ﷺ يقول : لقد سمعتُ من محمدٍ كلاماً، ليس من كلام الجنِّ، ولا من كلام الإنس » الحديث، فلمَّا أقر بذلك في أول الأمر علمنا أن قوله - هاهنا - :﴿ إِنْ هاذآ إِلاَّ قَوْلُ البشر ﴾، إنَّما ذكره عناداً، أو تمرداً لا اعتقاداً.
قوله تعالى :﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾ هذا بدل من قوله تعالى :﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾. قاله الزمخشري.
فإن كان المراد بالصعود : المشقة، فالبدل واضح، وإن كان المراد : صخرة في جهنم - كما جاء في التفسير - فيعسر البدل، ويكون فيه شبه من بدل الاشتمال، لأن جهنم مشتملة على تلك الصخرة.