فصل في معنى الآية


المعنى : سأدخله سقر كي يصلى حرها، وإنما سميت « سَقَرَ » من سقرته الشمس : إذا أذابته ولوحته، وأحرقت جلدة وجهه، ولا ينصرف للتعريف والتأنيث قال ابن عباس :« سقر » اسم للطبقة السادسة من « جهنم ».
﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ﴾. هذا مبالغة في وصفها، أي : وما أعلمك أي شيء هي؟. وهي كلمة تعظيم، وتهويل، ثم فسر حالها، فقال - جل ذكره - :﴿ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ ﴾ أي : لا تترك لهم لحماً، ولا عظماً، ولا دماً إلا أحرقته.
قوله :﴿ لاَ تُبْقِي ﴾، فيها وجهان :
أحدهما : أنها في محل نصب على الحال، والعامل فيها معنى التعظيم، قاله أبو البقاء.
يعني أن الاستفهام في قوله :« مَا سَقَرُ » للتعظيم، والمعنى : استعظموا سقر في هذه الحال.
ومفعول « تُبْقِي »، وتَذرُ « محذوف أي لا تبقي ما ألقي فيها، ولا تذره، بل تهلكه.
وقيل : تقديره لا تُبْقِي على من ألقي فيها، ولا تذر غاية العذاب إلا وصلته إليه.
والثاني : أنها مستأنفة.
قال ابن الخطيب : واختلفوا في قوله :﴿ لا تبقي ولا تذر ﴾.
فقيل : هما لفظان مترادفان بمعنى واحد، كرر للتأكيد والمبالغة، كقولك صدَّ عني وأعرض عني، بل بينهما فرق، وفيه وجوه :
الأول : لا تبقي من اللحم، والعظم، والدم شيئاً، ثم يعادون خالقاً جديداً، »
ولا تَذرُ « أن تعاود إحراقهم بأشد مما كانت، وهكذا أبداً، رواه عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال مجاهد : لا تبقي فيها حياً ولا تذره ميتاً بل تحرقهم كلما جُدِّدوا. وقال السديّ : لا تبقي لهم لحماً ولا تذر لهم عظماً. وقيل : لا تبقي من المعذبين، ولا تذر من فوقها شيئاً، إلا تستعمل تلك القوة في تعذيبهم.
قوله تعالى :﴿ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ﴾، قرأ العامة : بالرفع، خبر مبتدأ مضمر، أي هي لواحة، وهذه مقوية للاستئناف في »
لا تُبقِي «.
وقرأ الحسن، وابن أبي عبلة وزيد بن علي وعطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر : بنصبهما على الحال، وفيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها حال من »
سَقرُ «، والعامل معنى التعظيم كما تقدم.
والثاني : أنها حال من »
لا تُبْقِي «.
والثالث : من »
لا تَذرُ «.
وجعل الزمخشري : نصبها على الاختصاص للتهويل.
وجعلها أبو حيان حالاً مؤكدة.
قال :»
لأن النار التي لا تبقي ولا تذر، لا تكون إلاَّ مُغيرة للأبشار «.
و »
لوَّاحةٌ « هنا مبالغة، وفيها معنيان :
أحدهما : من لاح يلوح، أي : ظهر، أي : أنها تظهر للبشر، [ وهم الناس، وإليه ذهب الحسن وابن كيسان، فقال :»
لوَّاحةٌ « أي : تلوح للبشر ] من مسيرة خمسمائة عام، وقال الحسن : تلوح لهم جهنم حتى يرونها عياناً، ونظيره :


الصفحة التالية
Icon