والجواب : أن نقول : هل لا يزال لهذه المتشابهات أثرٌ في تقوية داعية الكفر أم لا؟ فإن لم يكن له أثرٌ في تقوية داعية الكفر لم يكن إنزال هذه المتشابهات فتنة للذين كفروا ألبتة وإن كان له أثرٌ في تقوية داعية الكفر، فقد حصل المقصود؛ لأنه إذا ترجَّحت داعية الفعل صارت داعيةُ الترك مرجوحة، والمرجوح يمتنع تأثيره، فيكون الترك ممتنع الوقوع، فيصير الفعل واجب الوقوع. والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ لِيَسْتَيْقِنَ الذين ﴾. متعلق ب « جعلنا » لا ب « فتنة ».
وقيل : بفعل مضمر، أي : فعلنا ذلك ليستيقن.
فصل في المراد بالآية
معنى الكلام : ليُوقنَ الذين أعطوا التوراة والإنجيل أن عدَّة خزنة جهنَّم مُوافقةٌ لما عندهم. قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم. ثم يحتمل أن يريد الذين آمنوا منهم كعبد الله بن سلام، ويحتمل أن يريد الكُلَّ، ﴿ وَيَزْدَادَ الذين آمنوا إِيمَاناً ﴾ لتصديقهم بعدد خزنة النار.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : حقيقة الإيمان عندكم لا تقبل الزيادة والنقصان، فما قولكم في هذه الآية؟.
فالجواب : نحملُه على ثمرات الإيمان، وعلى آثاره ولوازمه.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَرْتَابَ ﴾، أي : ولا يشك ﴿ الذين أُوتُواْ ﴾ أي : أعطُوا ﴿ الكتاب والمؤمنون ﴾ أي : المُصدِّقُون من أصحاب رسول الله ﷺ في أنَّ خزنة جهنَّم تسعة عشر.
فإن قيل : لما أثبت الاستيقان لأهل الكتاب، وأثبت زيادة الإيمان للمؤمنين، فما الفائدة في قوله تعالى بعد ذلك :﴿ وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُوا الكتاب والمؤمنون ﴾ ؟.
فالجواب : أن الإنسان إذا اجتهد في أمرٍ غامضٍ دقيقِ الحُجَّة كثير الشُّبه، فحصل له اليقين، فربَّما غفل عن مقدمةٍ من مقدِّمات ذلك الدليل الدقيق، فيعود الشرك، فإثبات اليقين في بعض الأحوال لا ينافي طريان الارتياب بعد ذلك، ففائدة هذه الإعادة نفي ذلك الشكِّ، وأنه حصل له يقينٌ جازمٌ، لا يحصل عقيبه شكٌّ ألبتة.
قوله تعالى :﴿ وَلِيَقُولَ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾، أي : في صدورهم شكٌّ ونفاقٌ من منافقي أهل « المدينة » الذين يجيئون في مستقبل الزمان بعد الهجرة، وهذا إخبار عما سيكون، ففيه معجزة ﴿ والكافرون ﴾ أي : اليهود والنصارى ﴿ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً ﴾ يعني : بعدد خزنةِ جهنَّم، وهذا قول أكثر المفسرين.
وقال الحسن بن الفضل : السورة مكيّة، ولم يكن ب « مكة » نفاقٌ، فالمرض في هذه الآية الخلاف، والمراد بالكافرين : مشركو العرب، ويجوز أن يُراد بالمرض الشكُّ والارتياب لأن أهل « مكة » كان أكثرهم مشركين، وبعضهم قاطعين بالكذب، وقوله تعالى إخباراً عنهم :﴿ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً ﴾ ؟ أي : هذا العدد الذي ذكره حديثاً، أي ما هذا من الحديث.
قال الليث رحمه الله : المثل الحديث، ومنه :