وقيل :« القسورة » : الأسد. قاله أبو هريرة، وابن عباس أيضاً رضي الله عنه.
قال ابن عرفة : من القسْرِ بمعنى القهْرِ، أي : أنه يقهرُ السِّباع والحمر الوحشيَّة تهرب من السباع؛ ومنه قول الشاعر :[ الرجز ]

٤٨٧٦ - مُضمرٌ يَحْذَرُهُ الأبطَالُ كَأَنَّهُ القَسْوَرَةُ الرِّئبَالُ
أي : الأسد، إلا أن ابن عباس أنكره، وقال لا أعرف القسورة أسد في لغة أحد من العرب، وإنما القسورة : عصبُ الرجال؛ وأنشد :[ الرجز ]
٤٩٧٧ - يَا بِنْتُ كُونِي خَيرةً لِخيِّرهْ أخْوالُهَا الجِنُّ وأهْلُ القَسْوره
وقيل : القَسْورةُ : ظُلمَة الليل، قال ابن الأعرابي : وهو قول عكرمة.
وعن ابن عباس : ركز الناس؛ أي حسُّهم وأصواتهم.
وعنه أيضاً :﴿ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ ﴾ أي : من حبال الصيادين، وعنه أيضاً : القسورة بلسان « الحَبَشَةَ » الأسد، وخالفه عكرمة فقال : الأسد بلسان « الحبشة » : عَنْبَسة، وبلسان « الحبشة » : الرُّماة، وبلسان « فارس » : شير، وبلسان « النَّبْط » : أريا.
وقيل : هو أوَّل سواد الليل، ولا يقال لآخر سواد الليل : قسورة.

فصل في المراد بالحمر المستنفرة


قال ابن عباس : كأن هؤلاء الكفار في فرارهم من محمد ﷺ حمر مستنفرة، قال ابن عباس : أراد الحمر الوحشية.
قال الزمخشري : وفي تشبيههم بالحمر شهادة عليهم بالبله، ولا يرى مثلُ نفار حمر الوحش، واطرادها في العدوِ إذا خافت من شيء.
قوله تعالى :﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ﴾، أي : يُعطى كُتُباً مفتوحةً، وذلك أن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا : يا محمد، لا نُؤمِنُ بك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه :« من رب العالمين »، إلى فلان ابن فلان، ونُؤمر فيه باتباعك، ونظيره :﴿ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ ﴾ [ الإسراء : ٩٣ ].
وقال ابن عباس : كانوا يقولون : إن كان محمد صادقاً فليصبح عند رأس كل واحدٍ منا صحيفةٌ فيها براءةٌ من النار.
وقال مطرٌ الوراق : أرادوا أن يعطوا بغير عمل.
وقال الكلبي : قال المشركون : بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح عند رأسه مكتوباً ذنبه وكفارته فأتنا بمثل ذلك.
قال ابن الخطيب : وهذا من الصُّحف المنشَّرة بمعزل.
وقيل المعنى : أن يذكر بذكرٍ جميلٍ، فجعلت الصُّحفُ موضعَ الذِّكر مجازاً، فقالوا : إذا كانت ذنوب الإنسان تُكتَب عليه فما بالنا لا نرى ذلك؟!
قوله :« مُنشَّرة ».
العامة : على التشديد، من « نشَّرهُ » بالتضعيف.
وابن جبير :« مُنْشرَةٌ » بالتخفيف، و « نشَّر، وأنشر » بمنزلة « نزّل وأنزَل » : والعامة أيضاً على ضمِّ الحاء من « صحُف ».
وابن جبير : على تسكينها.
قال أبو حيان :« والمحفوظ في الصحيفة والثوب :» نشَر « مخففاً ثلاثياً، وهذا مردود بالقرآن المتواتر ».


الصفحة التالية
Icon