قوله تعالى :﴿ فَإِذَا بَرِقَ البصر ﴾. قرأ نافع وأبان عن عاصم : بَرَق بفتح الراء.
والباقون : بالكسر.
فقيل : لغتان في التحيُّر والدهشة، ومعناه لمع بصره من شدَّة شخوصه، فتراه لا يطرف.
وقيل : بَرِق - بالكسر - تحيَّر فزعاً.
قال الزمخشري :« وأصله من بَرِق الرجل إذا نظر إلى البرقِ فدُهِش بصرهُ ».
قال غيره : كما يقال : أسد وبقر، إذا رأى أسداً وبقراً كثيراً فتحيّر من ذلك.
قال ذو الرمة :[ الطويل ]
٤٩٨٦ - وكُنْتُ أرَى في وجْهِ ميَّةَ لمْحعةً... فأبْرَقُ مَغْشِياً عَليَّ مَكانِيَا
وأنشد الفراء رحمه الله :[ المتقارب ]
٤٩٨٧ - فَنفْسَكَ فَانْعَ ولا تَنْعَنِي... ودَاوِ الكُلُومَ ولا تَبْرقِ
أي : لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك.
و « بَرَق » بالفتح : من البريق، أي : لمع من شدَّة شُخُوصه.
وقال مجاهد وغيره : وهذا عند الموت.
وقال الحسن : يوم القيامة، قال : وفيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان، كأنه قال : يوم القيامة إذا برق البصر، وخسف القمر.
وقيل : عند رؤية جهنم.
قال الفراء والخليل :« برِق » - بالكسر - : فَزِع وبُهِت وتحيّر، والعرب تقول للإنسان المتحيِّر المبهوت : قد برِق فهو برِقٌ.
وقيل :« بَرِق، يَبْرَقُ » بالفتح : شق عينيه وفتحهما. قاله أبو عبيدة، وأنشد قول الكلابيِّ :[ الرجز ]
٤٩٨٨ - لمَّا أتَانِي ابنُ عُمَيْر راغِباً... أعْطيتُه عِيساً صِهَاباً فَبرِقْ
أي : فتح عينيه. قرأ أبو السمال :« بَلِق » باللام.
قال أهل اللغة إلا الفرّاء : معناه « فُتِح »، يقال : بَلقْت الباب وأبلقتُه : أي : فتحتُه وفرَّجتُه.
وقال الفراء : هو بمعنى أغلقته.
قال ثعلب : أخطأ الفراء في ذلك.
ثم يجوز أن يكون مادة « بَلَقَ » غير مادة « بَرَقَ »، ويجوز أن تكون مادةً واحدة بُدِّل فيها حرف من آخر، وقد جاء إبدال « اللام » من الراء في أحرف، قالوا :« نثر كنانته ونثلها » وقالوا :« وجل ووجر » فيمكن أن يكون هذا منه، ويؤيده أن « برق » قد أتى بمعنى شق عينيه وفتحهما، قاله أبو عبيدة، وأنشد [ الرجز ]
٤٩٨٩ - لمَّا أتَانِي ابن عُمَيْرٍ... البيت المتقدم.
أي : ففتح عينيه فهذا مناسب ل « بلق ».
قوله :﴿ وَخَسَفَ القمر ﴾.
العامةُ : على بنائه للفاعل.
وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، ويزيد بن قطيب قال القرطبي : وابن أبي إسحاق وعيسى :« خُسِف » مبنياً للمفعول.
وهذا لأن « خسف » يستعمل لازماً ومتعدياً، يقال : خُسِفَ القمر، وخسف الله القمر.
وقد اشتهر أن الخسوف للقمر والكسوف للشمس.
وقال بعضهم : يكونان فيهما، يقال : خُسِفت الشمس وكسفت، وخسف القمر وكسف، وتأيد بعضهم بقوله ﷺ :« إنَّ الشَّمسَ والقَمَرَ آيَتَانِ من آيَاتِ اللَّهِ لا يخسفانِ لمَوْتِ أحدٍ »