، فاستعمل الخسوف فيهما، وفي هذا نظرٌ لاحتمال التغليب، وهل هما بمعنى واحد أم لا؟ فقال أبو عبيد وجماعة : هما بمعنى واحد.
وقال ابن أبي أويس : الخسوف ذهاب كل ضوئهما والكسوف ذهاب بعضه.
قال القرطبي : الخسوف في الدنيا إلى انجلاء، بخلاف الآخرة فإنه لا يعود ضوؤه، ويحتمل أن يكون بمعنى « غاب »، ومنه قوله تعالى :﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض ﴾ [ القصص : ٨١ ].
قوله تعالى :﴿ وَجُمِعَ الشمس والقمر ﴾ لم تلحقه علامة تأنيث؛ لأن التأنيث مجازي.
وقيل : لتغليب التذكير. وفيه نظر، لو قلت :« قام هند وزيد » لم يجز عند الجمهور من العرب.
وقال الكسائي :« جمع » حمل على معنى جرح النيران.
وقال الفراء والزجاج : جمع بينهما في ذهاب ضوئيهما فلا ضوء للشمس كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه.
وقال ابن عباس وابن مسعود : جمع بينهما، أي قرن بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين مكوَّرين مظلمين مقرَّنين كأنهما ثوران عقيران.
وقال عطاء بن يسار : يجمع بينهما يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكونان نار الله الكبرى.
وقال عليّ وابن عباس رضي الله عنهما : يجعلان في الحُجُب وقد يجمعان في نار جنهم لأنهما قد عُبِدا من دون الله ولا تكون النار عذاباً لهما لأنهما جماد وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكفار وحسرتهم.
وقيل : هذا الجمع إنما يجمعان ويقرَّبان من الناس فيلحقهم العرق لشدَّة الحر فيكون المعنى : يجمع حرهما عليهم.
وقيل : يجمع الشمس والقمر، فلا يكون ثم تعاقبُ ليلٍ ولا نهارٍ.
قال ابن الخطيب : وقيل : جمع بينهما في حكم ذهاب الضوء كما يقال : يجمع بين كذا وكذا في حكم كذا، أي : كل منهما يذهب ضوؤه.
فصل في الرد على من طعن في الآية
قال ابن الخطيب : طعنت الملاحدة في الآية فقالوا : خسوف القمر لا يحصل حال اجتماع الشمس والقمر.
والجواب : أن الله - تعالى - قادر على أن يخسف القمر سواء كانت الأرض متوسطة بينه وبين الشمس، أو لم تكن؛ لأن الله - تعالى - قادر على كل الممكنات فيقدر على إزالة الضوء عن القمر في جميع الأحوال.
قوله :﴿ يَقُولُ الإنسان ﴾. جواب « إذا » من قوله :« فإذا برق »، و « أيْنَ المفَرُّ » منصوب المحل بالقول، و « المَفَرّ » مصدر بمعنى « الفرار » وهذه هي القراءة المشهورة.
وقرأ الحسنان ابنا علي وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة : بفتح الميم وكسر الفاء، وهو اسم مكان الفرار، أي أين مكان الفرار.
وجوز الزمخشري أن يكون مصدراً، قال :« كالمرجع » وقرأ الحسن عكس هكذا : أي بكسر الميم وفتح الفاء، وهو الرجل الكثير الفرار؛ كقول امرىء القيس يصف جواده :[ الطويل ]
٤٩٩٠ - مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدبِرٍ مَعاً | كجُلْمُودِ صَخْرٍ حطَّهُ السَّيلُ من عَلِ |