وأكثر استعمال هذا الوزن في الآلات.
فصل في بيان ما يقوله الإنسان يوم القيامة
يقول الإنسان يومئذ : أين المفر، أي : يقول ابن آدم، وقيل : أبو جهل : أين المفر، أين المهرب؟.
قال الماوردي : ويحتمل وجهين :
أحدهما : أين المفر من الله استحياءً منه.
والثاني : أين المفر من جهنم حذراً منها. ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين :
أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة في عرصة القيامة دون المؤمن لثقة المؤمن ببشرى ربه.
والثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوا منها.
قوله :﴿ كَلاَّ لاَ وَزَرَ ﴾. تقدم الكلام ي « كلاَّ »، وخبر « لا » محذوف، أي لا وزر له.
أي لا ملجأ من النار.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : لا حِصْن.
وقال ابن عباس : لا ملجأ وقال الحسن : لا جبل.
وقال ابن جبير : لا مَحِيصَ.
وهل هذه الجملة محكيّة بقول الإنسان، فتكون منصوبة المحل، أو هي مستأنفة من الله - تعالى - بذلك.
و « الوزر » : الملجَأ من حصنٍ أو جبلٍ أو سلاح؛ قال الشاعر :[ المتقارب ]
٤٩٩١ - لَعمْرُكَ ما لِلْفَتَى من وَزَرْ | مِنَ المَوْتِ يُدرِكهُ والكِبَرَ |
قوله تعالى :﴿ إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر ﴾. أي : المنتهى. [ قاله قتادة، نظيره :« وأن إلى ربك المنتهى » ].
وقال ابن مسعود : إلى ربك المصير والمرجع، أي : المستقر في الآخرة حيث يقره الله.
و « المُسْتقَرُّ » مبتدأ، خبره الجار قبله، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الاستقرار، وأن يكون مكان الاستقرار، و « يَوْمئذٍ » منصوب بفعل مقدر، ولا ينصب ب « مستقر » لأنه إن كان مصدراً فلتقدمه عليه، وإن كان مكاناً فلا عمل له ألبتة.
قوله :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان ﴾. أي : يُخبَّر ابن آدم برّاً كان أو فاجراً يوم القيامة ﴿ بِمَا قَدَّمَ وَأخَّرَ ﴾ أي : بما أسلف من عمل خيراً أو شرّاً، أو أخَّر من سيِّئة أو صالحة يعمل بها بعده قاله ابن عباس وابن مسعود.
وقال ابن عباس أيضاً : بما قدَّم من المعصية، وأخَّر من الطاعة، وهو قول قتادة.
وقال ابن زيد :« بِما قدَّمَ » مرة من أمواله لنفسه « وأخَّرَ » خلَّف للورثة.
وقال الضحاك :« بِما قدَّم » من فرض « وأخَّرَ » من فرض.
وقال مجاهد والنخعيُّ : يُنَبَّأ بأوَّلِ عملٍ وآخره.
قال القشيري : وهذا الإيتاء يكون في القيامة عند وزن الأعمال، ويجوز أن يكون عند الموت.
قوله :﴿ بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾. يجوز في « بَصِيرة » أوجه :
أحدها : أنها خبر عن الإنسان، و « على نفسه » متعلق ب « بصيرة »، والمعنى : بل الإنسان بصيرة على نفسه.