قوله تعالى :﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس ﴾. قرئ :« قُلَ عُوذُ » بحذف الهمزة، ونقل حركتها إلى اللام، ونظيره :﴿ فَخُذَ رْبَعَةً ﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ].
وأجمع القراء على تلك الإمالة في « النَّاس » إذا كان في موضع الخفضِ.
ومعنى « رَبّ الناس » مالكهم، ومصلح أمورهم، وإنما ذكر أنه « رَبّ الناس »، وإن كان رباً لجميع الخلق لأمرين :
أحدهما : لأن الناس معظمون، فأعلم بذكرهم أنه ربٌّ لهم وإن عظموا.
والثاني : لأنه أمر بالاستعاذة من شرِّهم، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم، وإنما قال :﴿ مَلِكِ الناس إله الناس ﴾ لأن في الناس ملوكاً فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره، فذكر أنه إلههم، ومعبودهم، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به، ويلجأ إليه دون الملوك، والعظماء.
قوله :﴿ مَلِكِ الناس إله الناس ﴾. يجوز أن يكونا وصفين ل « ربّ الناس » وأن يكونا بدلين، وأن يكونا عطف بيان.
قال الزمخشري : فإن قلت :« ملك الناس، إله الناس »؟ ما هما من « رب الناس »؟ قلت : هما عطف بيان، كقولك : سيرة أبي حفص عمر الفاروق، بين ب ﴿ مَلِكِ الناس ﴾ ثم زيد بياناً ب ﴿ إله الناس ﴾ ؛ لأنه قد يقال لغيره :« رب النَّاس »، كقوله :﴿ اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله ﴾ [ التوبة : ٣١ ]، وقد يقال :« ملك النَّاس »، وأما « إله النَّاس » فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان.
واعترض أبو حيَّان : بأن البيان يكون بالجوامد، ويجاب عنه بأن هذا جارٍ مجرى الجوامد وقد تقدم تقريره في « الرحمن الرحيم » أول الفاتحة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل :« بربِّ النَّاس » مضافاً إليهم خاصة؟.
قلت : لأن الاستعاذة وقعت من شر الوسواس في صدور الناس، فكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم.
قال الزمخشري :« فإن قلت : فهلاَّ اكتفي بإظهار المضاف إليه الذي هو النَّاس مرة واحدة؟ لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنةً للإظهار دون الإضمار ».
وكرر لفظ « النَّاس »؛ لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار، ولأن التكرار يقتضي مزيد شرف الناس، وأنهم أشرف مخلوقاته.
قال ابن الخطيب : وإنما بدأ بذكر الرب تعالى، وهم اسم لمن قام بتدبيره، وإصلاحه من أوائل نعمه إلى أن رباه، وأعطاه العقل، فحينئذ عرف بالدليل أنه مملوك وأنه ملك، فثنى بذكر الملك، ثم لما علم أن العبادة لازمة له، وعرف أنه معبود مستحق للعبادة وعرفه أنه إله فلهذا ختم به.
قال ابن الخطيب : ولم يقرأ في المشهورة هنا « مالك » بالألف، كما قرئ به في الفاتحة، لأن معنى المالك هو الربُّ، فيلزم التكرار.