وقرئ به في الفاتحة، لاختلاف المضافين، فلا تكرار.
قوله :﴿ مِن شَرِّ الوسواس ﴾.
قال الزمخشري :« اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر : فوِسْواس - بالكسر » كزِلْزَال «، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته، وشغله الذي هو عاكف عليه، وأريد ذو الوسواس ». انتهى، وقد مر الكلام معه أن المكسور مصدر، والمفتوح اسم في « الزلزلة »؛ فليراجع.
والوَسْوَسَةُ : حديث النفس، يقال : وسوست إليه نفسه وَسْوَسة ووِسْوَسة - بكسر الواو - قاله القرطبي.
ويقال لهمس الصائد، والكلاب، وأصوات الحليّ : وسواس.
قال ذو الرمة :[ البسيط ]

٥٣٧٢- فَبَاتَ يُشئِزُهُ ثَأَدٌ ويُسهِرهُ تَذؤُّبُ الرِّيحِ والوَسْوَاسُ والهِضَبُ
وقال الأعشى :[ البسيط ]
٥٣٧٣- تَسْمَعُ للحَلْي وسْوَاساً إذا انصَرفَتْ كمَا اسْتَعَانَ بِرِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
قوله :« الخنَّاس » أي : الرجَّاع؛ لأنه إذا ذكر الله - تعالى - خنس، وهو مثال مبالغة من الخنوس.
يقال : خنس أي تأخر، يقال : خنستة فخنس، أي أخرته فتأخر، وأخنسته أيضاً. وتقدم الكلام على هذه المادة في سورة :﴿ إِذَا الشمس كُوِّرَتْ ﴾ [ التكوير : ١ ].
﴿ الذى يُوَسْوِس ﴾ : يجوز جره نعتاً وبدلاً [ وبياناً لجريانه مجرى ] الجوامد، ونصبه ورفعه على القطع.
قال القرطبي :« ووصف بالخناس؛ لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس ﴾ [ التكوير : ١٥ ] يعني النجوم لاختفائها بعد ظهورها ».

فصل في الكلام على الشيطان


قال مقاتل : إن الشيطان في سورة خنزير، يجري من ابن آدم مجرى الدم في عروقه، سلَّطه الله على ذلك، فذلك قوله تعالى :﴿ الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس ﴾، وقال ﷺ :« إنَّ الشَّيطَانَ يَجْرِي من ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ » رواه البخاري ومسلم.
قال القرطبي :« ووسوسته : هو الدعاء إلى طاعته، حتى يصل به إلى القلب، من غير صوت ».
قوله :﴿ مِنَ الجنة ﴾. فيه أوجه :
أحدها : أنه بدل من « شرّ » بإعادة العامل، أي : من شر الجنة.
الثاني : أنه بدل من ذي الوسواس؛ لأن الموسوس من الجن والإنس.
الثالث : أنه حال من الضمير في « يُوسْوِسُ » حال كونه من هذين الجنسين.
الرابع : أنه بدل من « النَّاس » وجعل « مِنْ » تبييناً، وأطلق على الجن اسم النَّاس؛ لأنهم يتحركون في مراداتهم. قاله أبو البقاء : إلا أنَّ الزمخشري أبطله، فقال بعد أن حكاه :« واستدلوا بنفر ورجال في سورة » الجنِّ «، وما أحقه لأن الجنَّ سموا حنًّا لاجتنانهم، والناس ناساً لظهورهم من الإيناس، وهو الإبصار، كما سموا بشراً، ولو كلن يقع الناس على القبيلين، وصح ذلك، وثبت لم يكن مناسباً لفصاحة القرآن، وبعده عن التصنُّع، وأجود منه أن يراد بالنَّاس : الناسي، كقوله :﴿ يَوْمَ يَدْعُ الداع ﴾ [ القمر : ٦ ]، ثم يبين بالجنة والناس؛ لأن الثقلين هما النوعان الموصفان بنسيان حق الله تعالى ».


الصفحة التالية
Icon