﴿ وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد ﴾ [ الفلق : ٤ ].
فإن قيل : كيف يكون اثنان بدلاً من الجميع والبدل إنما يكون على حد المبدل منه؟ فالجواب من وجوه ثلاثة :
الاول : أن الاثنين قد يطلق عليهما اسم الجمع؛ كما قال تعالى :﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ ﴾ [ النساء : ١١ ].
الثاني : أنهما لما كانا الرأس في التعليم نصّ عليهما دون اتباعهما كقوله تعالى :﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ [ المدثر : ٣٠ ].
الثالث : إما خُصَّا بالذكر من بينهم لتمرّدهما، كتخصيصه تعالى النخل [ والرمان ] فى قوله :﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ [ الرحمن؛٦٨ ] فقد ينص على بعض أشخاص العموم إما لشرفه؛ كقوله تعالى :﴿ إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه وهذا النبي ﴾ [ آل عمران : ٦٨ ] وإما لطيبه كقوله :﴿ فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ وإما لأكثريته؛ كقوله صلى الله عليه سلم :« جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَتُرَابُهَا طَهُوراً » وإما لتمردهم كهذه الآية.
الرابع : أن محلّها الجر عطفاً على « ملك سليمان »، والتقدير : افتراء على ملك سليمان وافتراء على ما أنزل على الملكين، وهو اختيار أبي مسلم.
وقال أبو البقاء :« تقديره » وعلى عهد الّذي أنزل.
واحتج أبو مسلم : بأن السحر لو كان نازلاً عليهما لكان مُنْزله هو الله تعالى، وذلك غير جائز، كما لا يجوز في الأنبياء أن يبعثوا السِّحر، كذلك في الملائكة بطريق الأولى.
وأيضاً فإن تعليم السحر كفر بقوله تعالى :﴿ ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر ﴾.
وأيضاً فإنما يضاف السحر إلى الكفرة والمردة، فكيف يضاف إلى الله تعالى ما ينهى عنه؟ والمعنى : أن الشياطين نسبوا السحر إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرأ عنه، فكذلك نسبوا ما أنزل على الملكين إلى السحر، مع أن المنزل عليهما كانا مبرّأين عن السحر؛ لأن المنزل عليهما هو الشرع والدين، وكانا يعلمان الناس ذلك مع قولهما :﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾ توكيداً لبعثهم على [ قبوله ] والتمسّك به، فكانت طائفة تتمسّك، وأخرى تخالف.
قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى : والأول أولى؛ لأن عطف « وَمَا أُنْزِلَ » على ما يليه أولى من عطفه على مابعد عنه إلا لدليل، أما قوله :« لو كان منزلاً عليهما لكان مُنَزِّلهُ هو الله تعالى ».
قلنا : تعريف صفة الشيء قد يكون لأجل الترغيب فى إدخاله في الوجود، وقد يكون لأجل أن يقع الاحتراز عنه؛ قال :[ الهزج ]

٦٩٨ عَرَفْتُ الشَّرَّ لا لِلشَّرْرِ لَكِنُ لِتَوَقِّيهِ
وقوله : لا يجوز بعثة الأنبياء [ لتعليم السحر، فكذا الملائكة ].
قلنا : الغرض من ذلك التعليم التَّنبيه على إبطاله.


الصفحة التالية
Icon