قلنا : نعم! لكن الرغبة في تحصيل نفس الشيء أكثر من تحصيل الرغبة في تحصيل الوَصْف به والحكم به، فكان حمله على الأول أولى.
وأيضاً أنه متى حصل الإسلام فيها فقد استحقا التسمية بذلك والله تعالى لا يجوز عليه الكذبن فكان ذلك الوصف حاصلاً، وأي فائدة في طلبه بالدعاء.
وأيضاً أنه لو كان المراد به التسمية لوجب أن كلّ من سمى إبراهيم مسلماً جاز أن يقال : جعله مسلماً.
أما قوله : يحمل ذلك على فعل الألطاف.
فالجواب : هذا مدفوع من وجوه :
أحدها : أن لفظ الجَعْل مضاف إلى « الإسلام »، فصرفه عنه إلى غيره ترك للظاهر.
وثانيها : أن تلك الألْطَاف قد فعلها الله تعالى وأوجدها، وأخرجها إلى الوجود على مذهب المعتزلة، فطلبها يكون طلباً لتحصيل الحاصل، وإنه غير جائز.
وثالثها : أن تلك الألطاف إما أن يكون لها أثر في تَرْجيح جانب الفعل على الترك أو لا.
فإن لم يكن لها أثر في هذا الترجيح لم يكن ذلك لطفاً.
وإن كان لها أثر في الترجيح، فنقول : متى حصل الرجحان فقد حصل الوجوب، وذلك أن مع حصول ذلك القدر من الترجيح، إما أن يجب الفعل، أو يمتنع، أو لا يجب أصلا ولا يمتنع.
فإن وجب فهو المطلوب.
وإن امتنع فهو مانع لا مرجح، وإن لم يجب ولا يمتنع فحينئذ يمكن وقوع الفعل معه تارة ولا وقوعه أخرى فاختصاص وقت الوقوع بالوقوع : إما أن يكون لانظمام أمر إليه لأجله تميز ذلك الوقت بالوقوع أو ليس كذلك فإن كان الأول كان المرجح مجمع اللطف مع هذه الضميمة الزائدة فلم يكن لهذا اللطف أثر في الترجيح أصلاً، وقد فرضناه كذلك هذا خلف.
وإن كان الثاني لزم رجحان أحد طرفي الممكن المساوي على الآخر من غير مرجّح وهو محال، فثبت أن القول بهذا اللطف غير معقول.
قوله : الدلائل العقلية دلت على امتناع وقوع فعل العبد بخلق الله تعالى وهو فصل المدح والذم.
قلنا : إنه معارض بسؤال العلم وسؤال الداعي على ما تقدم.
قال القرطبي : سألاه التثبت والدوام و « الإسلام » في هذا الموضع : الإيمان والأعمال جميعاً، منه قوله تعالى :﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾ [ آل عمران : ١٩ ]، وكفى هذا دليلاً لمن قال إن الإيمان والإسلام هما شيء واحد، ويؤيده قوله تعالى :﴿ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ المسلمين ﴾ [ الذرايات : ٣٥، ٣٦ ] والله أعلم.
قوله :﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً ﴾ فيه قولان :
أحدهماك وهو الظاهر أن « من ذرّيتنا » صفة لموصوف محذوف وهو مفعول أول، و « أمة مسلمة » مفعول ثاني تقديره : واجعل فريقاً من ذرّيتنا أمة مسلمة.