وفي « من » حينئذ ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها للتعبيض.
والثاني : أجازه الزمخشري أن تكون للتبيين، قال تبارك وتعالى :﴿ الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ ﴾ [ النور : ٥٥ ].
الثالث : أن تكون لابتداء غاية الجعل، قاله أبو البقاء.
والثاني : من القولين : أن يكون « أمة » وهو المفعول الأول، و « من ذرّيتنا » حال منها؛ لأنه في الأصل صفة نكرة، فلما قدم عليها انتصب حالاً، و « مسملة » هو المفعول الثاني، والأصل : واجعل الأمة من ذريتنا مسلمة، ف « الواو » داخلة في الأصل على « أمة »، وإنما فصل بينهما بقوله :« مِنْ ذُرِّيَتِنَا » وهو جائز؛ لأنه من جملة الكلام المعطوف، وفي إجازته ذلك نظر، فإن النحويين كأبي عليٍّ وغيره منعوا الفصل بالظَّرف [ بين حرف العطف ] إذا كان على حرف واحد وبين المعطوف وجعلوا منه قوله :[ المنسرح ]
٧٨٦ يَوْماً تَرَاهَا كَشِبْهِ أَرْدِيةٍ | الْعَصْبِ وَيَوْماً أَدِيمُا نَغِلاَ |
وإن كان من عطف الجمل، فلا يحذف إلا ما دلّ عليه المنطوقن والمنطوق ليس بمعنى الخلق، فكذلك المحذوف ألا تراهم منعوا في قوله :﴿ هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ ﴾ [ الأحزاب : ٤٣ ] أن يكون التقدير : وملائكته يصلون لا ختلاف مدلول الصَّلاتين، وتأولوا ذلك على قدر مشترك بينهما، وقوله :« لك » فيه الوجهان المتقدمان بعد « مسلمين ».
فصل
إنماخص بعضهم؛ لأنه تعالى أعلمهما [ أن ] في ذريتهما الظالم بقوله ﴿ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ].
وقيل : أراتد به العرب؛ لانهم من ذريتهما.
وقيل : هم أمّة محمد ﷺ لقوله تعالى :﴿ وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾ [ البقرة : ١٢٩ ].
فإن قيل : قوله :﴿ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ] كما يدلّ على أن في ذرّيته من يكون ظالماً فكذلك [ يوجب فيهم من لا يكون ظالماً ]، فإذن كون بعض ذريته أمة مسلمة صار معلوماً بتلك الآية، فما الفائدة في طلبه بالدعاء مرة أخرى؟
فالجواب : تلك الدلالة ما كانت قاطعة، والتشفيق بسوء الظن مولع.
فإن قيل : لم خص ذريتهما بالدعاء أليس أن هذا يجرى مجرى البُخْل في الدعاء؟
فالجواب : الذرية أحق بالشفقة والمصلحة قال الله تعالى :﴿ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾ [ التحريم : ٦ ] ولأن أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم.
والأمة هناك الجماعة، وتكون واحداً إذا كان يقتدى به في الخير، ومنه قوله تعالى :