وقد غلط قوم راوي هذه القراءة.
وقالوا : صار كسر الراء دليلاً على الهمزة المحذوفة، فإن أصله :« أرئنا » ثم نقل.
قال الزمخشري تابعاً لغيره : قال الفارسي : التغليط ليس بشيء لأنها قراءة متواترة، وأما كسرة الراء فصارت كالاصل؛ لأن الهمزة مرفوضة الاستعمال.
وقال ايضاً : ألا تراهم أدغموا في ﴿ لَّكِنَّ هُوَ الله رَبِّي ﴾ [ الكهف : ٣٨ ]، والأصل « لكان أنا » نقولا الحركة، وحذفوا، ثم أدغموا، فذهاب الحركة في « أرنا » ليس بدون ذهابها في الإدغام، وأيضاً فقد سمع الإسكان في هذا الحرف نصّاً عن العرب؛ قال القائل :[ البسيط ]

٧٩١ أَرْنَا إِدَاوَةَ عَبْدِ اللهِ نَمْلَؤُهَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ ظَمِئُوا
وأصل أرنا : أَرئنَا، فنقلت حركة « الهمزة » إلى « الراء » وحذفت هي، وقد تقدم الكلام بأشبع من هذا عند قوله :﴿ حتى نَرَى الله جَهْرَةً ﴾ [ البقرة : ٥٥ ].
و « المناسك » واحدها :« مَنْسِك » بفتح العين وكسرها، وقد قرىء بهما والمفتوح هو المقيس لانضمام عين مضارعة.
ويقال : المنسك بفتح السين بمعنى الفعل وبكسر السين بمعنى الموضع، كالمسجد والمشرق والمغرب.
قال الله تعالى :﴿ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ ﴾ [ الحج : ٦٧ ] قرىء بالفتح الكسر، وظاهر الكلام يدلّ على الفعل، وكذلك قوله عليه السلام « خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ » أمرهم بأن يتعلّموا أفعاله في الحجّ، لا أنه أراد : خذوا عنِّي مواضع نسككم، وبعض المفسرين حمل المَنَاسك على الذبيحة فقط.
قال ابن الخطيب : وهو خطأ، لأن الذبيحة إنما تسمى نسكاً لدخولها تحت التعبُّد، [ لا لكونها مذبوحة ] ولذلك لا يسمون ما يذبح للأكل بذلك.
قال القرطبي :[ قوله تعالى :« مَنَاسِكَنَا » يقال ] : إن أصل النُّسك في اللغة الغَسْل، يقال منه نسك ثوبه إذا غسله.
وهو في الشرع اسم للعبادة، يقال : رجل ناسك إذا كان عابداً.

فصل في تسمية عرفات


وقال الحَسَن : إن جبريل عليه السلام أرى إبراهيم المناسك كلّها حتى بلغ « عرفات »، فقال : يا إبراهيم أعرفت ما رأيتك من النماسك؟ قال : نعم [ فسميت « عرفات » ] فلما كان يوم النحر أراد أن يزور البيت فعرض له إبليس فسد عليه الطريق، فأمره جبريل عليه السلام بأن يرميه بسبع حَصَيات، ففعل فذهب الشيطان، ثم عرض له في اليوم الثاني والثالث والرابع كلّ ذلك يأمره جبريل عليه السلام برمي سَبْعِ حصيات.
فبعضهم حمل المناسك هنا على [ شعائر ] الحج، وأعماله كالطواف والسعي والوقوف.
وبعضهم حمله على المواقف والمواضع التي يقام فيها شرائع الحج، ثمل « منى » و « عرفات » و « المزدلفة » ونحوها.
وبعضهم حمله على المجموع.

فصل في استلام الأركان


قال ابن إسحاق : وبلغني أن آدم عليه السلام كان يَسْتَلِمُ الأركان كلها قبل إبراهيم عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon