وقال : حج إسقحاق وسارة من « الشَّام »، وكان إبراهيم عليه السلام يحجه كل سَنَةٍ على البُرَاق، وحجّة بعد ذل الأنبياء والأمم.
وروي محمد بن سابط عن النبي ﷺ أنه قال :« كَانَ النَّبِيُّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ إذَا هَلَكَتْ أُمَّتُهُ لَحِقَ مَكَّة فَتَعَبَّدَ بِهَا هُوَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ حَتَّى يَمُوتُوان فَمَاتَ بِهَا نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَقُبورُهُمْ بَيْنَ زَمْزَمَ وَالحَجرِ ».
وذكر ابن وهب أن شعيباً ما ب « مكة » هو من معه من المؤمنين، فقبورهم في غربيّ « مكة » بين دار الندوة وبين بني سهم.
وقال ابن عباس : في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما، قبل إسماعيل وقبر شعيب عليهما السلام، فقر إسماعيل في الحجر، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود.
وقال عبدالله بن ضمرة السلولي : ما بين الرُّكن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيّاً جاءوا حجاجاً فقبروا هنالك، صلوات الله عليهم أجمعين.
قولهك « وتب علينا » احتج به من جوز الذنب على الأنبياء قال : لأن التوبة مشروطة بتقدم الذنب، فلولا تقدم الذنب، وإلاَّ لكان طلب التوبة طلباً للمحال.
قالت المعتزلة : الصغيرة تجوز على الأنبياء.
ولقائل أن يقول : إن الصَّغائر قد صارت مكفّرة بثواب فاعلها، وإذا صارت مكفرة فالتوبة عنها مُحَال؛ لأن تأثير التوبة في إزالتها وإزالة الزائل محال.
قال ابن الخطيب : وهاهنا أجوبة تصلح لمن جوز الصغيرة، ولمن لم يجوزها، وهي من وجوه :
أولها : يجوز أن يأتي بصورة التوبة تشدُّداً في الانصراف عن المعصية؛ لأن من تصور نفسه بصورة النَّادم العازم على التحرز التشديد، كان أقرب إلى ترك المعاصي.
وثانيها : أن العبد وإن اجتهد في طاعة ربه، فإنه لا ينفكّ عن التَّقْصِير من بعض الوجوه : إما على سبيل السهو أو على سبيل ترك الأولى، فكان هذا الدعاء لأجل ذلك.
وثالثها : أنه تعالى لما أعلم إبراهيم عليه السلام أن في ذريته من يكون ظالماً عاصياً، لا جرم سأل هاهنا أن يجعل بعض ذرّيته أمة مسلمة، ثم طلب منه أن يوفق أولئك العُصَاة للتوبة فقال :« وَتُبْ علَيْنَا » أي على المُذْنبين من ذرّيتنا، والأب المشفق على ولده إذا أذنب ولده، فاعتذر الوالد عنه، فقد يقول : أجرمت وعصيت فاقبل عُذْري، ويكون مراده : أن ولدي أذنب فاقبل عُذْره؛ لأن ولد الإنسان يجري مجرى نفسه، والذي يقوي هذا التأويل وجوه :
الأولك ما حكى الله تعالى في سورة « إبراهيم » أنه قال :﴿ واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ الناس فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ إبراهيم : ٣٥٣٦ ].
فيحتمل أن يكون المعنى : ومن عصاني فإنك قادر على أن تتوب عليه إن تاب، وتغفر له ما سلف من ذنوبه.