والثَّاني : أنه من مقول يعقول إن قلنا رفعه باللابتداء، ويكون قد حذف مقول إبراهيم ﷺ للدلالة عليه تقديره :« ووصّى إبراهيم بنيه يا بني ».
وعلى كل تقدير فالجملة من قوله :« يابني » وما بعدها منصوبة بقول محذوف على رأي البصريين، أي : فقال يابني، وبفعل الوصية؛ لأنها في معنى القول على رأي الكوفيين، [ قال النحاس : يا بني نداء مضاف، وهذه ياء النفس لا يجوز هنا إلا فتحها؛ لأنها لو سكنت لا لتقى سكنان، وبمعناه ﴿ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ] ونحوه ]. وقال الراجز :[ الرجز ]
٧٩٧ رَجْلاَنِ مِنْ ضَبَّةَ أَخْبَرَانَا | إِنَّا رَأَيْنَا رَجُلاً عُرْيَانَا |
قال الفراء : ألغيت « أن » لأن التوصية كالقول، وكل كلام رجع إلى القول جاز فيه دخول « أن » وجاز إلغائها، وقال النحويون : إنما أراد « أن » وألغيت ليس بشيء. ومَنْ أبَى جعلها مفسرة وهم الكوفيون يجعلونها زائدة.
و « يعقوب » علم أعجمي ولذلك لا ينصرف، ومن زعم أنه سُمِّي يعقوب؛ لأنه وُلِد عقب العيص أخيه، وكانا توأمين، أو لأنه كثر عَقبهُ ونَسْلُه فقد وهم؛ لأنه كان ينبغي أن ينصرف، لأنه عربي مشتق.
ويعقوب أيضاً ذَكَرُ الْحَجَل، إذ سمي به المذكر انصرف؛ والجمع يَعَاقِبَة وَيَعَاقِيب، و « اصْطَفَى » ألفه عن ياء تلك الياء منقلبة عن « واو » ؛ لأنها من الصَّفْوة، ولما صارت الكلمة أربعة فصاعداً، قلبت ياء، ثم انقلبت ألفاً.
اصْطَفَى : اختار.
قال الراجز :[ الرجز ]
٧٩٨ يا ابْنَ مُلُوكٍ وَرَّثُوا الأمْلاَكَا | خِلآفةَ اللهِ الَّتِي أَعْطَاكَا |
قوله :﴿ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ ﴾ هذا في الصورة عن الموت، وهو في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإسلام إذا ماتوا كقولك :« لا تصلً إلا وأنت خاشع »، فنهيك له ليس عن الصلاة، وإنما هو عن ترك الخشوع في حال صلاته، والنُّكْتة في إدخال حرف النهي على الصلاة، وهي غير مَنْهِي عنها هي إظهارُ أَنَّ الصلاة التي لا خشوع فيها كَلاَ صلاة، كأنه قال : أنهاك عنها إذا لم تُصَلِّها على هذه الحالة، وكذلك المعنى في الآية الكريمة إظهار أن موتهم لا على حال الثابت على الإسلام موت لا خير فيه، وأن حقّ هذا الموت ألا يجعل فيهم.